على وقع موجات العنف والارهاب المتنقلة بين المناطق، وعلى بعد ايام من الموعد المفترض تأجيله لتوقيع الاتفاق الغربي- الايراني حول ملف طهران النووي، تتأرجح الحكومة اللبنانية على حبال المصالح المتناقضة والمتضاربة من جهة، وتقاطعها من جهة اخرى، راسمة صورة ضبابية، عززتها القنبلة التي فجرها الرئيس تمام سلام بدعوته الحكومة الى الانعقاد الخميس المقبل، وسط عملية خلط الاوراق تجارية داخل كل من افرقاء الازمة.
فاخبار جنيف العالقة عند بعض التفاصيل والترتيبات، التي فرضت «تمديدا تقنيا»، بحسب الوصف الايراني، تختلف عن تلك السائدة في بيروت، في ظل غياب اي امل في حل عقد الفراغ والتعطيل الضارب في كل المؤسسات مع سقوط المبادرات امام خطوط دفاع الاطراف المتمترسة خلف مواقفها الرافضة على حدّ قول مصادر متابعة، بانتظار جلاء الصورة الاقليمية، في وقت ضائع رجحت فيه، هذه المرة لبنانيا، كفة المساعي والاتصالات على خيار المواجهة الدموية، تحت شعار اسقاط المؤامرات والفتن المذهبية.
صورة متشائمة لم تمنع رئيس الحكومة من زيارة عين التينة بحثا عن جلسة ولو بالشكل تكسر من حدة المراوحة المستمرة، ليخرج بعد ساعة وربع صائما عن الكلام، بانتظار استنباط الحل السحري، بعد سقوط «مبادرة» عين التينة – كليمنصو، التي جوبهت بطرح عوني ثلاثي مضاد يقوم على الربط بين العمل الحكومي والتشريع في المجلس من ضمن سلة حل واحدة تضمنت:
1- الاستعداد للمشاركة في اي جلسة لاقرار الموازنة ومشاريع القوانين المالية والملحة ، على ان يبحث قانون الانتخاب بعد تصنيفه في خانة «التشريع الضروري» في جلسات لاحقة.
2- اقرار الحكومة لكافة التعيينات الامنية والعسكرية، قائد جيش، رئيس اركان، اعضاء مجلس عسكري، مدير عام لقوى الامن الداخلي، مجلس قيادة لمديرية قوى الامن الداخلي.
3- بحث عملي وجدي لتعديل آلية عمل الحكومة، بشكل يسمح لها باتخاذ القرارات بعدما اثبتت الآلية المتبعة حاليا فشلها.
اقتراح لم يتخط اسوار عين التينة تضيف المصادر، حيث عرض سلام الهواجس واستمع من بري الى نتيجة الاتصالات، المصطدمة بجدار التصلب وعقم الانفتاح على اي تسوية او حل، اذ ادى تسارع الاحداث الى الدفع بسلام الى اتخاذه قراره ومبادرته للهجوم «بالتي هي احسن»، بحسب المصادر مستندا الى سلسلة معطيات ابرزها:
– مطالبة 18 وزيرا من اصل 24 بعقد جلسات.
– اقرار سلام بقدرة الرئيس بري على تأمين الغطاء السياسي لاي اجتماع حكومي، استنادا الى مواقفه الواضحة المعلنة،في ظل غياب المقاطعين لأسباب باتت معروفة، حتى ولو حصل على تغطية فريق 14 آذار، لفتح دورة استثنائية لمجلس النواب.
– محاولة بعض الجهات مقاربة الازمة الحالية من باب نقل المعركة الى مستوى ممارسة صلاحيات رئيس الحكومة، معتبرة ان ما يجري يستهدف احداث تغيير عملي في الصلاحيات المناطة بكل من الرئاسات وضربا للفصل القائم بينها، ومحاولة لرسم واقع جديد يصار لاحقا الى تشريعه وقوننته.
– رفضه رهن الحكومة للربع الوزاري المعطل، بدلا من الثلث المعطل، الذي شكل نقطة ضعف الحكومات السابقة وادى الى اسقاطها.
– خشيته من ان يصل الاهتراء اللبناني المتفاقم بسبب الالتزامات السياسية المحلية، بالاستراتيجيات الاقليمية، الى مرحلة تتخطى امكانية الاستدراك والمعالجة.
– حرصه على حكومة المصلحة الوطنية لا يعني انتظاره الى ما لا نهاية ، او محاولة مراهنة البعض على طول صبره املا في رضوخه للضغوط ، في بلد مشلول سياسيا وعاجز اقتصاديا ومهتز أمنيا ولم يعد فيه سوى مؤسسة مجلس الوزراء لمواجهة حزمة المخاطر التي تتهدده يوميا.
– صرخة الهيئات الاقتصادية في مؤتمر «البيال» تحت عنوان «نداء 25 حزيران لقرار ضد الانتحار» والمخاطر الجدية الناجمة عن تدهور الوضع الاقتصادي في ما لو استمر الشلل الحكومي.
– الاستحقاقات السياسية والامنية والاقتصادية والمالية الداهمة التي توجب كلها اتخاذ قرارات في شأنها في جلسات مجلس الوزراء.
وفي وقت تتضارب التوقعات في شأن مسار الجلسة بين من يعتبر انها ستتخطى اشكالية التعيينات ومن يتخوف من انفجار الحكومة ما لم يحسم البند، اكدت مصادر وزارية مقربة من سلام انه «ما كان ليدعو الى الجلسة لو لم يضمن تفاهم الحد الادنى بين مكوناتها بما يمنع الاطاحة بها»، خاصة ان الجلسة ستناقش امورا حيوية اضيفت الى جدول اعمال الجلسة السابقة، في مقدمتها توقيع الرئيس سلام واكثر من 13 وزيرا على مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، لضرورات تتصل بالتزامات على الدولة تحتاج الى قوانين والا انعكست سلبا على سمعة لبنان في الخارج اضافة الى مساعدات دولية للبنان ستحوّل الى غيره من الدول ما لم تشّرع بقوانين، كذلك مسألة مرسومي النفط العالقين لاقرارهما بالتزامن مع ما يتردد عن محاولات اسرائيلية لفرض أمر واقع على لبنان، يهدد ثروته النفطية من خلال تطوير حقل «كاريش» المتاخم للحدود البحرية مع لبنان وزيارة نائب وزير الخارجية الاميركي لشؤون الطاقة اموس هوشتاين المكلف تسوية الخلاف اللبناني الاسرائيلي الاسبوع المقبل لبيروت، كما تردد.
رئيس الحكومة قرر انتهاج خيار المضي قدما والاستغناء عن سياسة «مراعاة الخواطر»، مفاجئا الجميع بقراره، بعدما ظن الجميع ان زيارة الوزير فنيش ولقاء عين التينة ، قد ادخلا الحكومة في اجازة مفتوحة قد تمتد لما بعد بعد رمضان، فضربة المعلم السلامية اربكت الخصوم ووضعتهم امام امر واقع صعب، في ظل عجزهم عن استخدام ادوات القوة التي بنوا عليها تشددهم، فلا الشارع مباح تحريكه، ولا اسقاط الحكومة مسموح به. ليبق السؤال كيف ستكون عليه الامور يوم الخميس القادم؟