IMLebanon

لهذه الأسباب… عملية جبل محسن أخطر من كل سابقاتها

لو جاء إنفجار جبل محسن في سياق الحرب في طرابلس أو عرسال أو موجة التفجيرات التي إستهدفت الضاحية والهرمل، لكان الأمر مفهوماً، على الأرجح. ولكن، عندما يمزِّق الإنفجار غشاءَ البكارة الإصطناعي، غشاء الهدوء الذي يفاخر به لبنان منذ أشهر، فهذا يطرح علامات إستفهام: لماذا الإنفجار، لماذا التوقيت، وإلى أين؟

سارعت «جبهة النصرة» إلى حسم بعض التساؤلات: أعلنت مسؤوليتها، وحسمت الهدف من العملية: إنها إنتقام لتفجيرَي مسجدَي «التقوى» و«السلام». ويمكن أن يُؤخذ في الإعتبار تزامن العملية مع قرار قضائي بتوقيف رئيس الحزب العربي الديموقراطي علي عيد.

لكنّ عملية التفجير المزدوِجة تحمل عناصر جديدة قد تجعلها الأشدَّ خطراً على لبنان من كلّ سابقاتها:

1- منفّذا العملية لبنانيان معروفان من طرابلس. ومبدئياً، هي المرة الأولى التي يعمد فيها لبناني إلى تفجير نفسه بلبنانيين، من أبناء مدينته، وفي حيٍّ من أحيائها. وهذا التطوُّر له مغزاه.

2- لم تأتِ العملية في سياقِ معارك عسكرية، كما سابقاتها، بل في ظلّ مسعى دولي يحظى بدعمٍ إقليمي لمنع سقوط الإستقرار اللبناني. ومن أجل هذا الهدف، دخل «المستقبل» و«حزب الله»، بدعم من السعوديين والإيرانيين، في حوار التبريد وإدارة الأزمة بأقلِّ ما يُمكن من الأضرار.

وهذا يعني أنّ الذين إفتعلوا التفجيرَين متضررون من رغبة القوى الدولية والإقليمية.

3- وهذا هو الأخطر، إذا صحَّ وجود رغبة بالخربطة، فهذا يعني أنّ هناك إحتمالات جدِّية لعمليات أخرى تهزّ الإستقرار. وإضافة إلى هاجس التفجيرات الإنتحارية، هناك مخاوف من زعزعة الأمن مجدَّداً في النقاط الساخنة، ولا سيما في طرابلس وعرسال.

وهنا، يجدر التفكير ملياً في التعقيدات التي يمكن أن تفتعلها «النصرة» و»داعش»، في شكلٍ متعَمَّد ومفاجئ، في ملف العسكريين المخطوفين ما ينذر بمخاوف جديدة غير محسوبة.

4- قد تكون «النصرة» أرادت، من عمليتها في جبل محسن، أن تفتح إشتباكاً في طرابلس، لتعويض مأزقها الناتج عن عوامل الطقس القاسية، من ثلج وصقيع، شلّت حراكها في جرود عرسال- القلمون. وقد ضعفت عمليات الإبتزاز التي تمارسها «النصرة» على لبنان، من خلال ملف العسكريين المخطوفين، وإستخدامه ورقة ضغط لإستمرار التزوُّد بالمؤن والسلاح من سوريا.

5- في الأيام الأخيرة، شهدت القلمون السورية تطوراتٍ عسكرية حساسة، في ظلّ رغبة الطرفين المتصارعين بالإفادة من عوامل الطقس. وثمَّة مَن يتوقع تقاتلاً هناك للسيطرة، وسط المعلومات عن مجمع نووي يقيمه النظام و»حزب الله» هناك.

6- يمكن أن يترجم تفجير جبل محسن إنزعاج «النصرة» و»داعش» من تدابير الجيش في عرسال والتدابير الضابطة لدخول السوريين إلى لبنان. فالتنظيمان يريدان التحرك بلا قيود.

إذا صحّت هذه الإحتمالات، كلها أو بعضها، فقد تفتح باب جهنم على لبنان مجدَّداً. ولذلك، من مصلحة القوى السنّية والشيعية الأساسية أن تتصدّى سريعاً للخربطة غير المتوقَعة. وبدت مسارعةُ الرئيس سعد الحريري إلى تصويب موقف «المستقبل» في محلِّها تماماً.

وستكون لطاولة الحوار، بعد إنفجارَي جبل محسن، أهمية إستثنائية، فتفرض النقاش في الملفات الساخنة والتجرّؤ على حسمها، بدلاً من الإكتفاء بالشكليات. والجولة التالية من الحوار يجب أن يتقدّم موعدها، وأن يطرأ تعديل على بنودها، فتناقش في صراحة مسألة «داعش» و»النصرة»، وتدخل في الحيثيات والتداعيات، وتتجرّأ على وضع الأصابع على الجروح بدلاً من الإختباء وراء الأصابع.

ويبدو واضحاً أنّ القوى الإقليمية الأساسية، في المحورَين المتصارعين، وتمثلهما السعودية وإيران، راغبة بإبعاد لبنان عن الإنهيارات. لكنّ كلَّ محور يطمح إلى يوم يحقِّق فيه الغلبة في الإقليم، وتالياً في لبنان. وهذه المراهنة المبيّتة هي التي تثير المخاوف اللبنانية ذات الطابع المصيري. فهل سيتقاطع الجميع على أنّ المخرج الحقيقي من المأزق هو في تحييد لبنان؟