لماذا لم تظهر «الحماسة» لدى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في اطلالته الاخيرة لعقد لقاء مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري؟ هل يرتبط موقفه بتجارب سابقة لم يلتزم حينها «زعيم التيار الازرق» بما تم التوافق عليه؟ هل بسبب ادراك السيد ان الحريري لا يملك القدرة على الحسم باي من ملفات الخلاف المطروحة؟ ام ان درجة السوء تصل الى حد عدم امتلاك رئيس الحكومة الاسبق اجوبة ذات «معنى» حول الازمات المفتوحة بين الطرفين داخل الحدود وخارجها؟
ربما لكل هذه الاسباب مجتمعة، تقول اوساط في الثامن من آذار، فلو كان السيد نصرالله من مصاف معظم القيادات اللبنانية التي تعنيها «الحرتقات» لكان اهتم «بالصورة»، وابدى حماسة للقاء يدرك انه سيحرج الحريري مع «الحلفاء» في السعودية، لكن الشكل لا يعنيه كثيرا، ولا يمارس سياسات تقوم على «الكيدية»، ولذلك ليس متحمسا لاسباب جوهرية اهمها ان «زعيم» المستقبل لا يملك اي اجابة حول اي من الاسئلة الجوهرية المرتبطة بالملفات الخلافية، فبالنسبة لسلاح المقاومة والمواجهة مع اسرائيل، الحريري لا يملك اي ضمانة بعدم حصول اعتداء اسرائيلي على لبنان، وهو لا يدعي اصلا ان بامكانه تقديم ضمانات مماثلة، ولا السيد نصرالله يمكن ان يطلب منه ذلك، لكن هذه المعضلة تجعل من هذا الملف خارج النقاش، وتعيده الى المربع الاول ضمن سياق نقاش «الاستراتيجية الدفاعية» على طاولة الحوار الوطني، وطالما ان هذا الامر لم يتم حسمه هناك، ستبقى المقاومة الطرف المعني بمواجهة اي اعتداء اسرائيلي ضمن معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» سواء رضي الحريري بذلك او لم يرض، وهذا يعني ان هذا الملف لن يكون على «جدول الاعمال».
في الملف الشائك المرتبط بمشاركة حزب الله في الحرب السورية، ثمة معضلة عند الحريري تتمثل بمسألتين رئيسيتين، الاولى تتعلق بالصدقية، وهنا يمكن الحديث عن عدم كونه الطرف المعني بطرح هذه الاشكالية، فهو سبق الحزب الى التدخل سياسيا وميدانيا في الازمة السورية، وبعد ان فشل وانحسر حضوره وتاثيره هناك، لا يحق له ان يطالب الطرف الاخر بالانسحاب «وكفى المؤمنين شر القتال». حزب الله في سوريا وسيبقى هناك حتى تنتفي المخاطر التي دفعته الى التدخل تؤكد الاوساط، ولا مجال للنقاش في هذه المعادلة. اما المسألة الاخرى فهي عدم وجود اجوبة عند الحريري عن كيفية مواجهة مخاطر المجموعات التكفيرية سواء على الحدود او في الداخل اللبناني، وهو يدرك جيدا، حتى لو انه لا يريد الاعتراف بذلك، ان ما فعله حزب الله ويستمر بالقيام به، سواء من خلال التنسيق والتعاون العسكري على الحدود الشرقية مع الجيش، او امنيا على مستوى ملاحقة الخلايا التكفيرية في الداخل، يشكل جزءا من الحماية الجدية للبلاد من خطر هؤلاء، واذا كان لا يملك بدائل، وهو لا يملكها اصلا، لن يكون بمقدوره فتح باب النقاش حول هذه القضية «المصيرية» التي لا تقبل جدالا او «مزاحا» عند حزب الله…
اما في الملف الرئاسي، لا يملك الحريري اجابة مقنعة تفسر رفضه ترشيح الجنرال ميشال عون، ودعمه الوزير سليمان فرنجية، السيد نصرالله لديه المسوغات المنطقية التي تمنحه الحجة الكافية للدفاع عن موقفه، الجنرال يمثل شريحة وازنة من المسيحيين، وبعد تبني القوات اللبنانية بات يمثل الاغلبية، خيارات «الجنرال» الاستراتيجية لا تختلف عن ما لدى فرنجية من خيارات، في «اللعبة» الداخلية جميع الاطراف تقبل بمبدأ «المساومة»، والكل لديه تجربته في هذا السياق، لا يمكن اقصاء شريحة وازنة من نسيج المجتمع اللبناني، وزيادة احباط المسيحيين، فيما يستطيع المسلمون في لبنان تقديم «نموذج» مغاير عما تقدمه المجموعات التكفيرية من سياسة الالغائية بحق الاقليات في المنطقة، فقط لان السعودية تضع «فيتو» على ترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح؟ فهل يملك الحريري اجابة مختلفة عما تقدم؟ الاكيد انه لا يملك؟ السيد نصرالله لن يتراجع عن دعمه «للجنرال»، «رضوخ» زعيم «التيار الازرق» للامر الواقع واقراره بان الرئيس المقبل لن يكون الا من 8آذار، لا يعطيه الحق بتسمية الرئيس، واذا كان الامر كذلك فهل يقبل هو باعطاء الفريق الاخر الحق بتسمية رئيس الحكومة المقبل؟
وفي الملف المستجد والمرتبط بتصنيف دول الخليج وبعض العرب حزب الله كمنظمة ارهابية، لا يملك الحريري وبحسب الاوساط القدرة على فعل شيء للتأثير في قرارات المملكة، وهو لا يدعي ذلك اصلا، يعرف جيدا ان «الحظوة» والقدرة التي كان يتمتع بها والده غير متاحة له الان، والسيد نصرالله لا يحمله اصلا فوق طاقته، ولا يحتاجه في هذه المهمة، حزب الله معني بعدم حصول تداعيات «دراماتيكية» على الساحة اللبنانية جراء الحملة السعودية، الامر مرتبط بصراع اقليمي لن يجد طريقه الى الحل الا بعد نضوج التفاهم السعودي – الايراني، وحتى الان الحريري ملتزم «بقواعد الاشتباك» الداخلية، الضغوط الغربية على السعودية اثمرت حتى الان في تحييد الساحة اللبنانية عن التداعيات، هذا ما يهم حزب الله، طالما ان الطرف الاخر مقتنع بان الفتنة «ستحرق الجميع»، ويريد تجنبها، انه امر جيد، لا امر خلافي هنا، والتنسيق من خلال الحوار «الثنائي» القائم اكثر من كاف.
وانطلاق من هذه المعطيات، يدرك حزب الله ان الحريري غير قادر في هذه المرحلة الدخول في تسويات، فهو لا يحظى بضوء اخضر سعودي، ولا يتحمل منح الحزب «انتصارا» سياسيا مهما بلغ حجمه، في ظل الحرب السعودية المفتوحة على المقاومة، هو ينتظر لان المملكة تنتظر بدورها، ولا تريد الدخول في اي «صفقات» سواء كانت رابحة او خاسرة في المنطقة، ثمة رهان على الوقت في انتظار انتهاء ولاية اوباما، الرئيس الديموقراطي الذي سيزور الرياض الشهرالمقبل، لن يغير من المعادلات شيئا، افكاره سبقته الى هناك، نصيحته للسعوديين «افتحوا «ابواب» الحوار مع ايران»، هم لا يريدون ذلك دون امتلاك «اوراق «رابحة بين ايديهم، القيادة السعودية تدرك ان تحالفها مع الاميركيين يمر في ظروف صعبة، هم بالنسبة الى اوباما اصبحوا امرا هامشيا، واي تغيير مأمول لن يتم في ولايته بل مع الرئيس المقبل، ولذلك تفضل القيادة السعودية التريث والرهان على ادارة جديدة تعتقد انها لن تكون في مطلق الاحول اسوأ من الحالية؟ لكن من يضمن ذلك؟
لا احد تؤكد الاوساط، فوز كلينتون يعني ان الحزب الديموقراطي سيحافظ على الخط البياني الذي رسمه الرئيس اوباما، اما دونالد ترامب فيؤكد بشكل حاسم ميله للعزلة الأميركية عن العالم، قال صراحة «نحن ندفع المليارات لدعم الدول وهي من الناحية النظرية أغنى منا، أننا ننفق مليارات الدولارات على السعودية ولا ينفقون شيئاً. وأتساءل لماذا؟ هل سأذهب الآن وأعقد صفقة أخرى معهم». انها كلمات مقلقة تزيد من «هلع «السعودية، في المقابل تزداد مكانة ايران يوما بعد يوم على المسرح الدولي، انتشار «الارهاب»» الوهابي» في العالم يزيد من عزلة المملكة، ويفاقم الضغوط عليها. في المحصلة لا يشعر السيد نصرالله بالفائدة من لقاء غير مثمر لا يأتي بنتائج، وهو لا يبدو مستعجلا الظروف الداخلية والاقليمية تعمل لصالحه، عندما تنضج ظروف عقد لقاء مثمر لن تكون هناك موانع، بينما يعيش الحريري على خط «التوتر» السعودي دون وضوح في الرؤية، وهذا ما يفسر عدم القدرة على فهم تكراره لمقولة عدم ممانعته عقد لقاء مع السيد نصرالله؟؟؟