بدت العاصمة الفرنسية محور استقطاب الزعامات والقيادات اللبنانية تحت عنوان واحد، ألا وهو بحث الإستحقاق الرئاسي، ومن هذا المنطلق جاءت زيارة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، الذي افتتح استقبالات السفير باتريك دوريل المولج بالملف اللبناني، ولكن الأهمية، وتسليط الضوء، وفق معلومات مواكبة، انصبّا في الساعات الماضية على زيارة رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لجملة اعتبارات:
1ـ إنه من أبرز المرشحين للرئاسة، وحظوظه لا زالت قائمة، على الرغم من عدم القبول به من الرياض وواشنطن، والفريق الداعم للمرشح الرئاسي الآخر النائب ميشال معوض، وبالتالي، أن الزيارة تأتي قبيل إعلان فرنجية ترشيحه رسمياً، أو ربما إقدامه على أي خطوة أخرى قد تفاجىء البعض، وإن كانت الحلقة الضيقة المقرّبة منه، تؤكد استمراره في السباق الرئاسي، وأنه لن يتراجع عن خطوته هذه.
2ـ إن استقبال رئيس «المردة» في العاصمة الفرنسية، جاء بعد اللقاء الفرنسي ـ السعودي، وحيث ساد هذا اللقاء تباينات كثيرة حول موضوع فرنجية، وبمعنى أوضح حاول الفرنسيون إقناع السعوديين بالقبول به، ولكن الجواب كان حاسماً بأنهم يريدون رئيساً خارج الإصطفافات السياسية، وثمة أسماء حيادية يمكن البناء عليها، وهي في حوزة بكركي، لذلك، لم يتم التوصل خلال هذا الإجتماع إلى أي صيغة مقبولة، ولكن ينقل وفق المعلومات، أن باريس تميل إلى وصوله كمرشح بإمكانه إحداث فرق في الوضع القائم في لبنان اليوم، بفعل علاقاته، وما يتمتع به من رصيد لدى معظم الأطراف الداخلية والعربية والدولية.
وعليه، فإن السفير دوريل، سيعرض على فرنجية عناوين أساسية تكون بمثابة ضمانات، وفي حال الموافقة عليها، فإن اللقاء المرتقب للدول الخمس المعنية بالملف اللبناني سيشهد العرض الفرنسي لتسويق فرنجية بعد الإطلاع على رؤيته ومواقفه وما سيقدم عليه، والأبرز إلتزامه بهذه الضمانات.
3ـ إن الفرنسيين لم يتمكنوا من جمع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي برئيس «المردة»، حيث أنه يوم وصول فرنجية إلى باريس، كان جنبلاط لا يزال في العاصمة الفرنسية، لكنه ولخصوصيات وظروف متعدّدة، إعتذر عن اللقاء بفرنجية، وغادر في اليوم الثاني إلى بيروت، إذ لا يمكنه لقاء أي مرشح أكان فرنجية أو سواه ممن يتمّ وصفهم بمرشحي التحدّي، أو حتى بالطبيعيين أو الأساسيين، على خلفية علاقته بالسعودية وبحلفائه، وتحديداً حزب «القوات اللبنانية» والكتائب وسواهم، على الرغم من التباينات بينه وبينهم.
ولكن، في هذا الوقت بالذات لا يمكنه الخروج عن هذا الإطار أي البناء والسعي للخيار الثالث بعيداً عن فرض هذا المرشح وذاك، ودون توفير غطاء عربي، وتحديداً سعودي وخليجي، لأن ذلك يعني إدارة الأزمة والعودة إلى ما كان عليه العهد السابق، بدلاً من أن يكون هناك دعم عربي ودولي ومؤتمر للدول المانحة.
وأخيراً، وحيال هذه الأجواء وزيارة فرنجية، فإن المعلومات، تؤكد أن باريس باتت مفتوحة للمرشحين، أو ممّن يتم التداول بأسمائهم، وتحديداً الذين لهم حظوظ حقيقية وباتوا معروفين من خلال حراكهم، وما يجري في الكواليس، ولكن فرنسا لن تتخطى، أو بإمكانها تزكية فرنجية، دون إجماع هذه الدول، والأمر عينه في الداخل اللبناني، حيث الإصطفافات والإنقسامات، ما يعني، بحسب المعلومات، أن ما يحصل اليوم في باريس، إنما هو الإنطلاق نحو مرحلة الحسم، بعدما وصلت الأمور على الساحة اللبنانية إلى نقطة قد تتحوّل إلى صراعات سياسية، وربطاً بأوضاع إقتصادية بالغة الخطورة إلى اهتزازات أمنية ومزيداً من الإنقسامات.
وبالمحصلة، فإن الإستحقاق الرئاسي متّجه نحو مزيد من التبلور إلى حين حلول ساعة الحسم بين من يعتبرها خلال شهر وشهرين، وفي المقابل ثمة من يقول أن الأزمة اللبنانية تسير باتجاهات تصاعدية، ولا رئيس في هذه المرحلة، ووحدها المعجزة من يؤدي إلى انتخاب الرئيس العتيد، وانتشال البلد من أزماته المستعصية.