نتائج الانتخابات البلدية تعيد تدوير الحسابات
لهذه الأسباب.. «قانون الستين» أمام فرصة انكسار أو انتصار
يتناوب كل من الرئيس نبيه بري والوزير نهاد المشنوق على تمرير كرّات التأكيد والحسم والجزم، بأنّ الانتخابات النيابية ستحصل في مواعيدها لأنّه سيستحيل تكرار تجربة التمديد المكروهة شعبياً، والتي قد تتسبب بغليان في الشارع لن يكون بمقدور أيّ من القوى السياسية إطفاء ناره أو تطويق مفاعيله.
لذا صار خيار فتح صناديق الاقتراع أهون الشرور التي يمكن للطبقة السياسية مواجهتها، وواجباً دستورياً لا بدّ من الانحناء أمامه، لاستعادة بعض الشرعية الدستورية الضائعة.
هكذا سطّر رئيس المجلس مهلة شهر الخريف المقبل فرصة أخيرة أمام طبّاخي قانون الانتخابات لتحويل «طنجرة البحص» الى طبق توافقي فيه من التغييرات التفاهمية ما يكفي لدفن «قانون الستين»، فتبثّ الحياة في اقتراح مشترك من شأنه أن يهضم مصالح القوى السياسية وحساباتها المتنافرة ويجمعها في قانون واحد.
لماذا هذا الموعد؟
لسبيين، يرتبط أحدهما ببدء العقد العادي لمجلس النواب والذي يمكن الاستفادة منه لإقرار قانون جديد للانتخابات إذا وقعت المعجزة وحصل التفاهم حول واحد من الاقتراحات المتداولة والموضوعة على مشرحة اللجان المشتركة، وما أكثرها.
أما الثاني، فمتصل بالمهل القانونية المفروض احترامها إذا بلغ سيناريو «الانقلاب» على قانون الستين حائطاً مسدوداً. ويقصد بهذا الكلام، أنه اذا عجزت القوى السياسية عن التوافق، فإنّ قانون الستين المشكو منه، سيبقى نافذاً وسيفرض على السلطة التنفيذية احترام المواعيد الدستورية، ووضعها موضع التنفيذ.
يعني عملياً، ستكون حكومة تمام سلام معنية بأربعة قرارات أساسية لا مفرّ منها لانتظام العملية الانتخابية، تقضي بتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، دعوة الهيئات الناخبة، إقرار سلفة خزينة لوزارة الداخلية لتنظيم الاستحقاق، وتحديد سقف الإنفاق الانتخابي.
وبالتفصيل يتبيّن، أنّه عملاً بالقانون القائم والذي سيظل ساري المفعول اذا مرّ العقد العادي لمجلس النواب من دون التوافق على «وريث» له، ستكون الحكومة في شهر كانون الأول أمام استحقاق تسمية عشرة أعضاء لهيئة الإشراف (يفترض إنشاؤها قبل ستة أشهر من موعد الانتخابات)، وإلا فإنّها قد تعرّض العملية الانتخابية للطعن.
ومن قبيل المصادفة، فإنّ مجلس النواب قد صوّت على القانون الانتخابي المعمول به حالياً ( القانون 26/2008)، في شهر تشرين الأول من العام 2008، وقامت الحكومة بتسمية أعضاء هيئة الإشراف في شهر كانون الأول من العام نفسه، ومن ثم قامت بدعوة الهيئات الناخبة في شهر كانون الثاني من العام 2009. هكذا يفترض أن يتوالى إصدار القرارات المتصلة بالاستحقاق الواحد تلو الآخر، اذا ما التزمت القوى السياسية بقرار إجراء الانتخابات في الربيع المقبل.
وبرغم ذلك، فإنّ بعض المواكبين لهذا الاستحقاق لا يسقطون أبداً من حساباتهم سيناريو الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، خصوصاً أنّ هناك مؤشرات إيجابية تصب لمصلحة القانون المختلط الجامع بين النظامين النسبي والأكثري.
وبنظر هؤلاء، فإنّ التفاؤل المشوب بالحذر طبعاً، لم يأت من العدم ولا من ترف الوقت الذي لم يعد ممكناً، بل من الوقائع التي أفرزتها الانتخابات البلدية، والتي دفعت القوى السياسية الى تدوير حساباتها من جديد، للتواضع في طموحاتها.. كما في مقارباتها لقانون الانتخابات.
يقول هؤلاء إنّ نتائج الانتخابات البلدية في العام 2010 هي التي أطلقت قطار الدعوات الى تغيير القانون المتفق عليه في الدوحة أي قانون الستين، بعدما بيّنت الصناديق البلدية أن الصناديق النيابية منتفخة اصطناعياً ويمكن بالتالي تصحيحها، اذا ما جرى تصحيح القانون ليصبح أكثر عدالة في التمثيل. فبدأت موجة الضغط باتجاه التغيير.
بالأمس، قدمت خريطة البلديات بعد استعراض نتائج وقراءة أرقامها وما بين سطور تفاهماتها، خلاصة بدت صادمة بالنسبة للقوى السياسية التي شعرت جميعها بتراجع حضورها الشعبي، وإن بنسب متفاوتة. ما يعني وفق المعنيين أن الطبقة السياسية برمّتها بدت بحاجة الى إعادة دراسة خياراتها الانتخابية والمعايير المفترض اعتمادها في القانون الجديد.
هكذا، يرى هؤلاء أنّ «المختلط» صار طوق النجاة من أثمان وخسائر أكبر يكمن أن تدفعها قوى السلطة، لا بل يمكن أن يساعدها على الحفاظ على الكثير من المكاسب والأرباح التي تجنيها بفضل النظام الأكثري (الستين)… خصوصا أنه يتضمن الحدّ الأدنى من الغموض الذي لا ينسف «الضمانات» المسبقة التي صارت القوى السياسية تشترط الحصول عليها قبل البصم على أي قانون انتخابات.