«حزب الله» لا يساوم على الجنرال
لهذه الأسباب جاهر نصرالله بترشيح عون
تعددت التأويلات لأبعاد مبادرة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الى دعم العماد ميشال عون علناً، لتولي رئاسة الجمهورية، بعد أشهر من الاكتفاء باعتماد سياسة «التلميحات».
وذهبت التفسيرات «الخبيثة» الى وضع موقف نصرالله في سياق تمهيد الطريق أمام المساومة على الجنرال وفتح باب التفاوض حول اسم آخر، انطلاقا من فرضية ان «إشهار» اسم عون، كمرشح رسمي للحزب الذي يمثل ما يمثل في المعادلتين الداخلية والاقليمية، يعني أن نصرالله أجهض أي احتمال للنظر الى الجنرال أو للتعامل معه من قبل الفريق الآخر بصفته مرشحاً توافقياً، كما حاول أن يقدم نفسه لتيار «المستقبل» خصوصا ولقوى «14 آذار» عموما، خلال مرحلة الحوار مع الرئيس سعد الحريري.
لكن العارفين بطبيعة العلاقة بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، وتحديدا على مستوى نصرالله – عون، يؤكدون أنه لا يمكن لـ«السيد» ان يسلك منحى «المقايضة» في مقاربة ملف رئاسة الجمهورية، ويجزمون أن موقفه إنما يعبّر عن التزام صادق بدعم عون، ويعكس الانتقال في معركة تأييده من الظل الى الضوء.
وأبعد من ذلك، يعتبر العارفون ان الإعلان الصريح لنصرالله عن ترشيح عون يعني أن اسم الجنرال أصبح بالنسبة الى الحزب عنوانا للنجاح أو الإخفاق في معركة الرئاسة، وبالتالي فهذا يعني أنه سيصبح أكثر تشددا في التمسك بخيار عون، وليس أكثر استعدادا للتخلي عنه، كما يعتقد الخصوم.
ومن غرائب سياسة «الشيء وضده» في لبنان ان الذين كانوا يعتبرون في السابق ان الحزب يتجنب تسمية عون صراحة، لأنه في حقيقة الامر لا يريده، هم أنفسهم يروجون اليوم بأن الحزب تعمد تسميته حتى «يحرقه»، لأنه أيضا لا يريده!
ولعل المقولة الشهيرة لـ«السيد» في أعقاب حرب تموز، وهي «أن للجنرال ديناً في رقبتنا حتى يوم القيامة»، تكفي للدلالة على مدى الارتباط المبدئي، قبل السياسي، الذي يجمع عون بنصرالله، فكيف إذا أضيفت لها قاعدة ذهبية جديدة أرساها عون في مقابلته الأخيرة مع «السفير» وفحواها ان وثيقة التفاهم الموقعة مع الحزب عام 2006 تحولت الى تكامل وجودي في مواجهة الخطر التكفيري.
وبهذا المعنى، لا مكان للاعتقاد أن نصرالله سيكون بوارد التنازل عن عون، ما لم يبادر الأخير بنفسه الى الانسحاب الطوعي، ومن دون أي ضغط في هذا الاتجاه من الحزب الذي يجد في حليفه، المرشح صاحب المشروعية الاكبر لتولي الرئاسة، كونه الممثل الأوسع للوجدان والوجود المسيحيين، والأقدر في الوقت ذاته على التفاعل مع الآخر، ضمن مساحة مشتركة، إنما استنادا الى منطق الشراكة الوطنية الحقيقية، وليس الى مفهوم التبعية.
وعلى هذا الاساس، يؤكد العارفون ان تأييد الحزب لعون إنما ينبع بالدرجة الاولى من إدراك قيادته أن وجود رئيس قوي في المركز المسيحي الاول في الجمهورية، يساهم في تحقيق التوازن وحماية الثوابت الوطنية وبالتالي في تثبيت الاستقرار الداخلي الحقيقي الذي يشكل مصلحة للمقاومة.
ويشير المواكبون للعلاقة بين الرابية وحارة حريك الى ان دعم نصرالله لترشيح عون أتى في هذا السياق، وليس لان الحزب يتطلع الى رئيس حليف يستطيع التأثير عليه وإخضاعه لنفوذه وفق ما يردد البعض، علما ان التجربة أظهرت أنه يستحيل التأثير على عون، عندما يكون الأمر متعلقا بقناعة لديه، ويكفي أن الحزب لم يستطع إقناعه مؤخرا ليس بالتمديد لمجلس النواب، بل بمجرد المشاركة في الجلسة النيابية مع احتفاظه بحقه في التصويت ضد التمديد.
وتأسيسا على هذه المقاربة، يقول العارفون انه إذا كانت هناك من مساعدة يستطيع الحزب أن يقدمها بغية إنجاز الاستحقاق الرئاسي، فهي لتسهيل مهمة عون وزيادة فرص وصوله الى الرئاسة، وليس لدفعه الى التراجع.
وبشكل أوضح، فإن الحزب الذي أبدى جهوزيته للحوار مع تيار «المستقبل» قد يكون مستعدا لإبداء بعض المرونة المتصلة بملفات صعبة، حتى يخفف على الجنرال كلفة «التحالف» ووطأة «الشروط الرئاسية» التي يطرحها الفريق الآخر على عون، بفعل علاقتة الاستراتيجية مع المقاومة.
وهناك من يقول ان المفارقة تكمن الآن في ان «حزب الله» ربما يكون جاهزا لدفع ثمن ما «من جيبه» لقاء انتخاب عون، بينما يبدو «المستقبل» في المقابل جاهزا لدفع هذا الثمن أيضا، ولكن لإقصاء الجنرال، لا سيما بعد إخفاق الحوار بينهما في التوصل الى «تفاهم رئاسي»، وما تبع ذلك من انتقادات وجهها عون الى الحريري ووزير الخارجية السعودي.
ولئن كان الحوار بين عون والحريري حول الرئاسة قد توقف، فإن أي حوار محتمل بين «حزب الله» و«المستقبل»، لن يتم على حساب الجنرال، وفق تأكيد المتابعين الذين يشددون على أن انتخاب الرئيس لن يتم ما لم يقتنع البعض بأنه إذا كان رئيس الحكومة يحتاج الى شرعية سعودية حتى يصبح معترفاً به، فليس مسموحاً أن تسري القاعدة ذاتها على رئاسة الجمهورية، وبالتالي ليس مقبولا لضرورات التوازن والشراكة أن تشغل هذا المنصب شخصية محسوبة على الخط السعودي أو قابلة للتحول في هذا الاتجاه.