تتخطّى الرواية الرسمية لأسباب المستوى التمثيلي المخفوض في القمة العربية الذي لم تبلغه أيّ قمة عربية اقتصادية أو عادية كل ملابسات ما حصل بين الرئاستين الأولى والثانية، من إشتباك «فَضَح» لبنان أمام العرب والعالم.
فهذا الاشتباك الذي أدّى الى إلغاء القمة عملياً بامتناع معظم الدول العربية الفاعلة عن المشاركة على مستوى الرؤساء والملوك والأمراء، سبّب نتائج كارثية للبنان وللموقع الرئاسي وللسياسة الخارجية، اذ أعاد معظم القادة العرب النظر في مشاركتهم الشخصية، ولا سيما منهم الذين كانوا اكدوا هذه المشاركة، والأبرز مصر وتونس وقطر وفلسطين، وهؤلاء غير منخرطين في اشتباك علني مع إيران وحلفائها في المنطقة ولبنان.
القمة العربية من دون العرب تعيدها الرواية الرسمية الى سببين اساسيَّين يتجاوزان ما حصل بين بعبدا وعين التينة، لا بل يتجاوزان ما حُكِي عن ضغوط أميركية مورست على بعض الدول العربية لخفض تمثيلها في القمة، وهما مرتبطان بجدول الأعمال الذي أراد الرئيس ميشال عون أن يحقق من خلاله ما يميّز هذه القمة، لكي لا تتحوّلَ منتدىً عربياً لا يستفيد منه لبنان.
وأبرز ما هدف عون الى تحقيقه هو الآتي:
– أولاً، وضع بند على جدول أعمال القمة يتعلق بالمساعدة العربية للاجئين السوريين لمساعدة لبنان على تخفيف خسائره، وفي هذا شرط إلزامي بأن تمرّ المساعدات عبر الدولة حصراً وليس «من المنتج الى المستهلك»، أي أن تقونن المساعدات لتحقيق هدف عودة اللاجئين وليس لإغرائهم بالبقاء، والاموال إذا صُرِفت عبر الدولة حصراً يمكن أن تؤمّن هذا الهدف، لكن إذا استمرت المساعدات في الوصول مباشرة الى هؤلاء فقد يؤدي ذلك الى تحقيق نتائج معاكسة تماماً لما يريده لبنان. وتشير الرواية الرسمية الى أنّ الدول العربية تحفّظت عن هذا البند وكان ذلك احد اسباب تخفيض التمثيل لكي لا يلتزم الرؤساء والملوك في اعتبار انّ الوفود المخفوضة التمثيل لا تستطيع الرفض أو الموافقة من دون العودة الى مرجعياتها، وهذا سبب للتملّص من إلزام تقديم المساعدات عبر الدولة ومن إحراج الرفض.
– ثانياً، وضَع عون بنداً على جدول الاعمال لمناقشة عودة سوريا الى الجامعة العربية بعضويّتها الكاملة وحضورها، وهذا البند خلافي ايضاً في اعتبار أنّ سوريا لم تُدع الى القمة، وأنّ الموقف العربي لا يزال على رفضه استعادة عضويتها في الجامعة، وايضاً وتفادياً للإحراج امتنع عدد من الرؤساء والزعماء عن المشاركة بعدما كانوا قد اكدوا مشاركتهم، وبذلك يُفهَم أنّ قرار عودة سوريا الى الجامعة لم ينضج بعد.
– ثالثاً، تؤكد الرواية الرسمية أنّ كل ما قيل عن طلب اميركي بخفّض التمثيل في القمة لا اساس له، فالموفد الاميركي ديفيد هيل وفي لقاءاته الرسمية مع المسؤولين اللبنانيين ومنها ما جمعه مع عون والوزير جبران باسيل، مرّ بنحوٍ عابر على القمة واستفسر عنها من بعيد، سائلاً عما يتوقعه لبنان منها، وما طرحه تمحور حول «حزب الله» وايران، ووجودها في سوريا، حيث تسعى الولايات المتحدة الاميركية الى معرفة موقف لبنان الرسمي في حال نجحت في بلورة موقف دولي مطالب بخروج ايران من سوريا، وهي على الأرجح قطعت شوطاً كبيراً في الحصول على موقف روسي مؤيّد لهذا الانسحاب، بالاضافة الى موقف تركي هو في الاساس مطالب بإنسحاب ايران التي تعارض هذا التوجّه وتحتسب له. وفي ما يعني لبنان، ارادت الديبلوماسية الاميركية معرفة الموقف من وجود «حزب الله» العسكري في سوريا، كذلك أرادت معرفة موقف لبنان من الأنفاق وخرق القرار1701 وتجاوز هذا القرار في اكثر من نقطة حدودية، ولم تتوقف عند قمة بيروت بل تركت الامر لأصدقائها العرب ليقرّروا طريقة التعامل مع هذه القمة.