Site icon IMLebanon

لهذه الأسباب وزير المال قَلِق

 

 

بقدر ما تأرجحت مسألة تشكيل الحكومة، وبقدر ما علت أصوات تطالب بتسريع التأليف لانقاذ الوضع المالي والاقتصادي من الانهيار، التبست الامور على البعض، وصار يعتقد ان ولادة الحكومة هي الهدف المرتجى للخلاص.

 

يجري التعاطي حاليا مع ملف تشكيل الحكومة على اساس ان ما بعد التأليف ليس كما قبله. وكأن الأزمة المالية اليوم طارئة، ولم تكن موجودة قبل «الفراغ» الحكومي. في حين ان الواقع غير ذلك تماما، وما قبل الحكومة يشبه ما بعدها، وهذا المشهد يتكرّر منذ عشرات السنين. الأزمة المالية والاقتصادية تراكمية، بل انها كانت تتفاقم اكثر أحياناً بسبب وجود حكومة. ولعلّ النموذج النافر في هذا التوصيف، يتبيّن في قرار سلسلة الرتب والرواتب. هذا القرار كان بمثابة دفشة موفقة الى القعر. صحيح ان عربة الوضع المالي كانت تتدهور، لكن قرار الحكومة بمنح السلسلة ساهم في تسريع اندفاعة العربة نحو الهاوية.

 

كان الاعتقاد السائد ان إقرار موازنة للعام 2018 بعجز يقارب العجز في العام 2017، انجاز يُسجّل للحكومة. لكن، ومع مرور الوقت تبين ان نمو العجز عندما كان يتم تسيير البلد بلا موازنات «أرحم» على المالية العامة. وهنا ايضا تبرز معادلة موازية لمسألة الحكومة، مفادها ان الانقاذ لا يتم من خلال وجود موازنة، بل عبر ما تتضمنّه اولاً، وما سيتم تنفيذه من الكلام على الورق الوارد في الموازنة.

 

في هذا السياق، تبيّن ان العجز في العام 2018، يرتفع بوتيرة تفوق النسب المقدّرة على الورق. ورغم ان التقارير الرسمية التي تصدر عن وزارة المالية لا تشير الى حجم الدين العام سوى حتى آب 2018، إلا ان ذلك يعتبر كافيا لتكوين فكرة عن وتيرة نمو الدين، والى اين يمكن ان يصل في الاشهر القليلة المقبلة. في تموز وصل الدين الى 82,90 مليار دولار. وفي نهاية آب ارتفع الى83,69 مليار دولار، أي بزيادة حوالي 800 مليون دولار في شهر واحد.

 

هذا الرقم يمكن أن يفسّر لماذا يشعر وزير المالية بقلق شديد حيال المرحلة المقبلة. وفي حسبة بسيطة يتبيّن ان الدين العام قد ينمو 9,6 مليار دولار سنويا (800×12). طبعا، هذا لا يعني ان نموه الشهري ثابت، بدليل ان نمو الدين في 2018 لن يتجاوز الـ7 مليار دولار، لكن وتيرة تضخّم الدين تُظهر انه يزيد باضطراد شهرا بعد شهر. ومن هنا، قد نفهم لماذ يقول وزير المالية في اللقاءات المغلقة ان العجز في العام 2019 قد يصل الى 9 مليار دولار.

هنا لا بد من التذكير بأن لبنان التزم بخفض تدريجي للعجز بمعدل 5 نقاط مئوية سنوياً. لكن ما يجري ان العجز ينمو بوتيرة متصاعدة، وبذلك تصبح الوعود التي سمعها ويسمعها زوار أجانب من مسؤولين لبنانيين بأن لبنان مُلتزم تطبيق تعهداته في مؤتمر «سيدر» موضع تشكيك.

 

في عودة الى نقطة البداية المتعلقة بالحكومة، لا بد من التذكير بأن الوضع المالي في ظل وجود الحكومة الحالية، قبل ان تتحول حكومة تصريف اعمال، لم يكن افضل. وعندما طرح البعض تأجيل انعقاد مؤتمر «سيدر» الى ما بعد الانتخابات النيابية في ايار الماضي، حرص الفرنسيون على عدم التأجيل كما اقترح البعض. ورغم التفسيرات الكثيرة والمتنوعة التي أعطيت في حينه لاستعجال انعقاد المؤتمر، إلا ان الاكيد ان الفرنسيين المطّلعين على الوضع اللبناني، تصرفوا على اساس ان البلد لا يحتمل أي تأجيل، وكل دقيقة تمر من دون البدء في مسيرة وقف التدهور، لها كلفتها على البلد والناس.

 

ما يجري اليوم هدرٌ غير محسوب للوقت، من خلال تأخير ولادة الحكومة. ورغم أهمية الوقت، وهو أساسي في تحديد المنحى الذي ستتخذه التطورات، الا ان ما يوازيه في الأهمية يبقى في ما ستنجزه الحكومة عندما ترى النور. اذا كانت الحكومة التي ينتظرها الناس ستواصل السياسة المتّبعة منذ سنوات، واذا كانت ستتخذ قرارات شبيهة بقرار سلسلة الرتب والرواتب، فمن المؤكد ان ما قبل الحكومة سيكون افضل ممّا بعدها، لأن البلد لا يحتاج دفشات اضافية، وهو سيقع من دون «جميلة» أحد.