لهذه الأسباب لن يتسرّع “حزب الله” في الردّ على غارة القنيطرة لا مكان لحرب جديدة والقلق غير مبرّر في ظل الإجماع على الإدانة
منذ وقوع الضربة الاسرائيلية التي أودت بحياة مسؤول قيادي إيراني إلى جانب مجموعة من الكوادر القيادية في “حزب الله”، إنشغلت الاوساط السياسية وحتى الشعبية بترقب ما سيكون رد الحزب على هذه العملية، وما سيكون تأثير مثل هذا الرد على الوضع الداخلي أولا والاقليمي ثانياً، وخصوصاً بعدما جاءت تصريحات مسؤولين إيرانيين لتهدد بذراع الحزب.
وفيما تعاظمت المخاوف مما ستحمله ردة فعل الحزب على الساحة الداخلية في ظل الاستقرار الهش المهدد في كل لحظة تحت وطأة النار الاقليمية المشتعلة، جاءت المعلومات المستقاة من أكثر من مرجع سياسي معطوفة على المواقف المعلنة لأكثر من فريق، لتقلل من حدة هذه المخاوف، تاركة فسحة من الطمأنينة التي يمكن الركون إليها لأكثر من سبب وعامل.
ففي رأي مصادر وزارية بارزة أن لا خوف على الوضع السياسي الداخلي، لا على جبهة الحوار المفتوح اخيرا بين “حزب الله” و”تيار المستقبل”، ولا على الجبهة الحكومية من أي تداعيات سلبية لعملية القنيطرة. ذلك ان الحوار السني – الشيعي محصور بالملفات الداخلية التي تعنى بالاحتقان المذهبي بينهما وسبل إحتوائه. اما بالنسبة إلى الحكومة، فلا تخشى المصادر أن يطرح هذا الموضوع أي جدلية أو خلاف، معولة على إجماع القوى السياسية ومن ضمنها قوى 14 آذار على إدانة الجريمة وإستنكارها بإعتبارها عدوانا إسرائيلياً. وفي رأي المصادر أن هذا الاجماع كفيل بحماية الحكومة والنأي بها عن أي صدام، من دون أن يعني ذلك ان فريق الرابع عشر من آذار تراجع عن مآخذه أو هواجسه حيال ما يمكن أن تستجلبه العملية من إرتدادات تدفع البلاد نحو الانزلاق إلى مواجهة جديدة لا تحمد عقباها. وهذا يعني أن جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم ستشكل ساحة إختبار لحجم التضامن الحكومي والوعي لإستدراك هذه المسألة والابتعاد عن إثارتها من باب الانتقاد، بل من باب الاستنكار.
لمبررات الطمأنة التي تتحدث عنها المصادر أكثر من عامل تدرج أبرزها في الآتي:
– أن الحفاظ على الاستقرار في لبنان هو قرار دولي لن يخرج عنه “حزب الله” تحت أي مبرر او ذريعة أو إستهداف. وثمة تفاهم دولي مع المحور الذي يمثله الحزب بعدم خرق هذا الاستقرار وعدم السماح بإمتداد النار السورية إلى الداخل اللبناني. وهذه المظلة الدولية هي التي تفسر نجاح لبنان في تجاوز كل الالغام الامنية التي واجهته ولا تزال منذ إندلاع الحرب السورية وتمدد تنظيمي ” داعش” و”جبهة النصرة” إلى داخل أراضيه ، وتمدد “حزب الله” في إتجاه الاراضي السورية، وصولا إلى الجولان.
– أن بيانات التنديد والاستنكار من مختلف القوى السياسية ساهمت في تخفيف وطأة العملية وسهلت على الحزب إمكان إحتوائها.
– أما الكلام التصعيدي والتهديدي في إتجاه إسرائيل فلا يعدو كونه في رأي المصادر، محاولة لإحتواء النقمة الشعبية في قواعد الحزب وجمهوره.
– أن “حزب الله” ليس في وارد الانزلاق إلى أي مواجهة الآن مع إسرائيل تستزف عناصره وكوادره، فيما استراتيجيته تركز على الجبهات المفتوحة ولا سيما سوريا واليمن والعراق والبحرين أخيرا.
– ردة الفعل التي أظهرتها إسرائيل لناحية رفع درجات الجهوز الى اقصى حدود، ثم الكلام السياسي الذي تعترف به إسرائيل – وإن بخبث ربما- بأنها “أخطأت بتقدير مكانة القتلى”، كل ذلك يصب في إطار تخفيف حجم الضربة.
– أن إسرائيل في ردود فعلها تعاملت مع “حزب الله” على أنه قوة موازية لقوتها ( لجهة ما يملكه من ترسانة اسلحة وصواريخ)، وهو ما يشكل إعترافا إسرائيليا بحجم الخطر الذي يشكله الحزب عليها، يمنح الحزب تعويضا معنويا لقاء الخسارة الكبيرة التي تكبدها.
– على رغم الخسارة، فقد أدت الضربة وظيفة إيجابية لمصلحة الحزب، إذ ساهمت في إعادة تظهير صورة المقاوم لإسرائيل في الداخل كما في المنطقة العربية، وذلك بعدما ضُربت هذه الصورة نتيجة تورطه في لبنان منذ أحداث 7 أيار التي وضعته في وجه مكون سياسي اساسي في البلاد بتهمة تغيير وجهة بندقيته في إتجاه الداخل، أو نتيجة تورطه في الحرب في سوريا ودول عربية اخرى.
وفي رأي هذه المصادر أن فترة إنتظار ردة فعل الحزب قد تطول على غرار الانتظار المستمر لرده على عملية إغتيال القائد العسكري الابرز في الحزب عماد مغنية في تفجير إستهدف سيارته في دمشق في شباط 2008.
وتخلص المصادر إلى القول أن الاولوية اليوم لدى “حزب الله” هي إستكشاف الاسباب والعوامل التي أدت إلى نجاح إسرائيل في عمليتها، وخصوصا بعد التبسيط المتنامي للإسرائيليين لتلك العملية، وكأن الغارة إستهدفت دورية روتينية، ولا مجموعة عسكرية نخبوية من بين أعضائها جنرال إيراني!