يُدارُ لبنان حالياً بتسوية داخلية، سنّية- شيعية، تحظى بدعم إقليمي ودولي، لإبعاد النار المذهبية عن الهشيم اللبناني. وإنطلاقاً من هذه المسلَّمة، هل تبدو صعبة الإجابة عن السؤال: لماذا يُراد تغيير الآلية الحالية في مجلس الوزراء؟
كان رئيس الجمهورية موجوداً، وكانت التفاهمات السنّية- الشيعية تقود البلد. لكنّ الرئيس المسيحي كان له بعض الهامش على الأقل. وفي وجود رئيس الجمهورية، كان الشريك المسيحي في السلطة يمارس نوعاً من «الفيتو» على الأقل، وإن لم يحترم البعض هذا الشريك، لا في قانون الإنتخابات وقوانين أخرى، ولا في إلتزام الإستحقاقات الدستورية، ولا في الحضور داخل المؤسسات!
أمّا في غياب الرئيس، فتمَّ التوافق السنّي- الشيعي على إدارة المرحلة من دون أيّ «وجع رأس» مسيحي. ولذلك، تمَّ إنتاج هذه الحكومة. فـ»حزب الله» ضحّى، ولو شكلاً، ببعض المكاسب التي حقَّقها في السنوات الأخيرة كي يعيد تعويم «المستقبل» في الحكومة والحوار. والصفقة تقضي بأن يكون لكلّ من الطرفين الحقُّ في ممارسة «الفيتو» على أيّ قرار أو مشروع لا يراعي مصالحه. وهذا التفاهم يجرى تطبيقه في عمل مجلس الوزراء.
ولذلك، لم يتحمَّل أحدٌ أن يقوم وزراء مسيحيون بتعطيل القرارات والمشاريع التي يجرى التوافق على تمريرها في حكومة الرئيس تمام سلام. وهنا فحوى السعي إلى تغيير الآلية: مَحْوُ أيّ أثر للأقلية القادرة على التعطيل. وهذه الأقلية هي الآن مسيحية، ولو أنّ وزراء العماد ميشال عون يفضلون التمييع، هذه المرّة، لأنّ «الأمل» لا يفنى بتلقّي «الجنرال» دعماً سنّياً- شيعياً مشترَكاً للرئاسة!
لكنّّ المؤكد أن لا أحد- لا السنّي ولا الشيعي- مستعجل لإنتخاب رئيس للجمهورية، لا عون ولا سواه، للأسباب الآتية:
1- إنّ إجراء إنتخابات رئاسية جديدة الآن سيؤدّي إلى تطيير الحكومة الحالية التي هي عنوان الصفقة السنّية- الشيعية ومسرح عملياتها وصندوق بريدها. وهذا الأمر يبدو القطبان المعنيان بالصفقة في غنى عنه في هذه المرحلة، لأنّ السعي إلى إستيلاد حكومة جديدة قد يطرح تعقيدات في الحصص والتوازنات لا أحد مستعدٌّ لمواجهتها في أيّ تشكيلة حكومية مقبلة.
2- إنّ إجراء الإنتخابات الرئاسية سيُعيد نوعاً من الحضور إلى شريك ثالث هو المسيحي، على الأقل بالمقدار الذي كان قائماً قبل الفراغ الرئاسي. وهذا ما يزعج الآخرين ويخفِّف من قدرتهم على الإستفراد بتنفيذ بنود الصفقة.
3- إنّ الإنتخابات الرئاسية تستتبع إعادة إنبثاق السلطة، من خلال إنتخابات نيابية جديدة. وأيّ عمل من هذا النوع حالياً سيعيد خلط الأوراق، ويفتح الباب لعملية تفاهم جديدة ليس أيّ من الطرفين المعنيّين جاهزاً لها. كما أنّ ذلك سيُضعف طرفي الصفقة ويحدّ من قدرتهما على الإدارة شبه الإحتكارية للوضع اللبناني.
من هنا، لا يبدو القطبان السنّي والشيعي في صدد القبول بأيّ نوع من أنواع «الفيتو» في مجلس الوزراء. كما أنهما لا يحبّذان تغيير الواقع الحكومي، أيْ إعادة الصلاحيات الرئاسية المنوطة بالحكومة إلى أصحابها. وهما يرفضان في أيّ شكل إجراء الإنتخابات الرئاسية في الوقت الحاضر.
والملفّات التي يمكن أن يعترض على تمريرها الوزراء المسيحيون القلائل، وتحديداً وزراء الكتائب وسواهم، قد تبدأ بمسائل ذات طابع ميثاقي ولا تنتهي بصفقات من نوع النفط وما إلى ذلك.
وفي هذه الأثناء، «يتسلّى» المعنيون بوعودٍ للقطبين المسيحيَين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، اللذين هما أيضاً يتسلّيان، بعضهما ببعض، ويسلّيان الجماهير بوعودٍ بورق التفاهم… الباقي على ورق… حتى ولو تمّ التفاهم، ولا يجرِّبان «إختبار» حلفائهما، لإدراك ما إذا كانوا يريدون إجراء الإنتخابات الرئاسية فعلاً أو عدم إجرائها!
… ولكن في الصالونات العامرة، يحدثونك- جميعاً- عن المسيحيين وحقوقهم!