Site icon IMLebanon

لهذه الأسباب كانت عقود النفايات باطلة.. ولا تزال

مساء اليوم تنتهي المهلة التي أعطاها الناس للطبقة السياسية لتثبت أنها قادرة على الاستماع لنبض الشارع. التصعيد لا يزال مجهول التفاصيل، وإن بدأ المنظمّون بالتحضير له جدياً، مركّزين على دور رئيسي للبلديات لتحصيل حقوقها المسلوبة، بسبب ما يرونه من بلادة السلطة التي لم تقرأ الحشد الذي نزل إلى الشارع جيداً، ولم تتعامل معه إلا بمنطق التشويه والسعي لضربه.

يصرّ منظمو التحركات الشعبية على استكمال ما بدأوه. وبغض النظر عن موافقة السلطة على مطالبهم أم عدم موافقتها، فهي صارت أمام خيارات محدودة. في السياسة، يبدو أنها تتجه لتجميع قواها، من خلال المبادرة الحوارية التي أطلقها الرئيس نبيه بري. ينظر منظمو التحرك، الذين بدأوا يناقشون آلية دائمة لتنظيم عملهم، إلى المبادرة الحوارية كأحد نتائج الضغط الشعبي، الذي سبق وفرض إلغاء مناقصات النفايات وإزالة «جدار العار» والالتفات أخيراً إلى البلديات بوصفها أحد عناصر حل مسألة النفايات.

وإذا كان صعباً على وزير في الحكومة أن ينزل عند رغبة الناس فيستقيل، وإذا كانت الحكومة محكومة بعدم الاستقالة، وإذا كانت التوازنات الداخلية والخارجية لا تزال تحمي السلطة الحالية، على اهترائها، فإنه، على أقل تقدير، صار صعباً على الطبقة السياسية أن تمرّر صفقاتها، كما كانت تفعل سابقاً، بعدما تحول الشعب إلى رقيب على أعمالها ومصالحه.

النفايات لا تزال الهم الأساسي. انسحب وزير البيئة من واجهة الملف، موحياً أنه قدم تنازلاً مهماً، بعدما سبق أن اقترح تبيان مدى قدرة البلديات على المساهمة في الحل، بالرغم من أنه لا يزال يؤمن بإعادة التفاوض مع الشركات التي فازت في المناقصات لتخفيض أسعارها.

ذلك أمر يؤكد كل من يتابع الموضوع أنه صار صعب المنال. ومن بقي لـ25 سنة يتصرف بأموال الصندوق البلدي المستقل خلافاً للقانون، صار عليه أن يفكر ألف مرة قبل أن يعيد الكرة.

بعيداً عن الحراك والثقة به من عدمه، هل ثمة من يوافق على مخالفة القانون، لصالح شركة أو أكثر، وعلى حساب البلديات، وبالتالي الناس؟

من يعود إلى قرارات وتقارير ديوان المحاسبة المرتبطة بملف النفايات، يكتشف أن السلطة كانت تعمد عن سابق إصرار وترصد إلى مخالفة القانون، من خلال التصرف بأموال البلديات كما يحلو لها. في 30 آذار 1999، أصدر الديوان قراراً رقمه 1/99، أشار فيه بوضوح إلى أن العقود الموقعة بين الحكومة وشركتي «سوكلين» و «سوكومي» تعتبر «باطلة بطلاناً مطلقاً ويحظر على أية جهة رسمية ترتيب أي اثر قانوني عليها». الأهم أن علة «القرار الخاص»، على ما يسميه الديوان، هو أن هذه العقود غير مستندة إلى موافقة الطرفين، أي البلديات والشركات. فالمال الموجود في الصندوق البلدي المستقل ليس جزءاً من الخزينة العامة إنما هو، بحسب المادة 87 من قانون البلديات، «أمانة للبلديات»، أي أنه لا يحق لا لوزارة الداخلية ولا لوزارة المالية التصرف بهذه الأمانة من دون موافقة البلديات. هو ما كان يحصل عكسه.

أكثر من ذلك، يؤكد قرار الديوان الصادر في العام 2001 (44/2001) أن هذه الامانة هي لجميع البلديات وليس لبعض منها. وعليه، فإنه «لا يمكن لبعض البلديات أن تستفيد من أموال مخصصة لجميع البلديات». أو بمعنى آخر، لا يمكن دفع مستحقات «سوكلين» و «سوكومي» (بغض النظر عن بطلان العقد) التي تغطي خدماتهما بلديات محددة من أموال كل بلديات لبنان). علماً أن التشريع المالي يتشدد في موضوع تأمين الاعتمادات اللازمة للانفاق، «نظراً لما يرتبه هذا الأمر من نتائج خطيرة على صعيد المالية العامة».

ويستعيد ديوان المحاسبة في قراره نصوص قانون المحاسبة العمومية التي تمنع عقد أي نفقة قبل توفر الاعتماد اللازم لها او استعمال اعتماد في غير الغاية التي رصد من أجلها (المادة 57) كما ان المادة 112 منه جعلت من الوزير مسؤولاً شخصياً من أمواله الخاصة عن كل نفقة يعقدها متجاوزاً الاعتمادات المفتوحة لوزارته مع علمه بهذا التجاوز، وكذلك عن كل تدبير يؤدي الى زيادة النفقات التي تصرف من الاعتمادات المذكورة اذا كان هذا التدبير غير ناتج عن أحكام تشريعية سابقة.

وبناءً على النص السابق، فإن كل الوزراء المتعاقبين الذين وقعوا العقود مع «سوكلين» يتحملون، من أموالهم الخاصة، مسؤولية عقود لم تتأمن التغطية المالية لها.

وبما يشكل إمعاناً في مخالفة القانون، لم تكتف الحكومة بالتصرف بأموال الصندوق البلدي المستقل، إنما اكتشفت أن لها في ذمة البلديات ديوناً متراكمة عن عقود النظافة (التي لم تأخذ رأي البلديات بها). وبذلك تكون السلطة قد فرضت على البلديات عقوداً لم تأخذ رأيها بها، حارمة إياها من حصصها بأموال الصندوق البلدي المستقل، ثم أعلمتها أن هذه الاموال لا تكفي، فكان أن اكتشفت أنه يمكنها ان تحّصل ديونها من حصص البلديات من أموال الخلوي.. وتلك مصيبة أخرى.

فبعد أن كانت وزارة الاتصالات تحوّل أموال الخلوي الخاصة بالبلديات إلى الخزينة العامة، متجاوزة أصحابها الفعليين، أي البلديات، وقف الوزيران شربل نحاس ونقولا صحناوي بالمرصاد لهذه الآلية، فأعلنا التوقف عن تحويل الأموال إلى الخزينة، بانتظار إقرار آلية تسمح بتوزيع أموال الخلوي على البلديات مباشرة. حتى كانت النتيجة أن تمكن الوزيران من مراكمة 1.2 مليار دولار للبلديات، كان يمكن لها ان تشكل نقلة نوعية في العمل الإنمائي. لكن ما حصل أن الوزير بطرس حرب أعاد العمل في الآلية السابقة، فحوّل الأموال إلى الخزينة العامة، مقتطعاً الجزء اليسير منها للبلديات..

وعليه، فإن كل ما سبق من مخالفات يمكن أن يتكرر مع 6 «سوكلين» بدلاً من واحدة، إذا أعيد الاعتبار للمناقصة. لذلك، فإن منظمي الحراك المدني، مهما اختلفوا، يتفقون على أن لا بديل عن إعادة الاعتبار إلى حق البلديات في التصرف بأموالها.. وهو ما يبدأ من خلال فتح حساب خاص باسم الصندوق البلدي المستقل في مصرف لبنان.