IMLebanon

لهذه الأسباب لن يكون اللبنانيون السنّة بيئة حاضنة للتطرف الديني!

 

على أثر 11 أيلول 2001، اعتبر الإسلام المتطرف (السنّي تحديداً) هو العدو للمجتمع الدولي. فكان سقوط بغداد بيد إيران، بعد الغزو الأميركي، وكان مشروع الهلال الشيعي الفارسي من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت.

وكان من نتائجه لبنانياّ، صعود «حزب الله» السياسي والصورة التاريخية للرئيسين محمود أحمدي نجاد وبشار الأسد ومعهما الأمين العام «لحزب الله».

وبما ان الاديان التوحيدية جميعها ترى ان الهها هو الاله الذي يجسد الحقيقة المطلقة، ولأن اهل السنة والجماعة يفاخرون بماض تليد حيث حكموا نصف العالم القديم زمن الخلافتين الاموية والعباسية، وهذا ما لا يعيشه اتباع المذهب الجعفري بشكل عام. فقد تولد عند اهل السنة بشكل عام، الإحساس بالحاجة للثورة – وان العُنفية – على المشروع الايراني المذهبي. وهذا ما تم التعبير عنه لبنانياً، في بعض ضئيل من بيئة سنية بائسة اجتماعياً خصوصاً في الشمال كما تجلت في الاحداث الاخيرة وان كانت المراهنة على التطرف مرفوضة من البيئة السنية بشكل عام ولا تودي باتباعها، وهم قلة، الا الى التهلكة.

إلا أن الثورة السورية في آذار عام 2011 فاجأت الجميع، مما أعاد، إلى الواجهة قضية تهميش أهل السُنّة والجماعة في كل من العراق ولبنان. ومع استمرار الثورة السورية، استقال الرئيس نجيب ميقاتي وكانت حكومة دولة الرئيس تمام سلام بشروط سياسية تؤكد تغير في ميزان القوى السياسية لمصلحة فريق الرابع عشر من آذار.

ومن ثمّ كانت استقالة نوري المالكي في العراق ولتجيء حكومة الرئيس حيدر العبادي مما يعكس تعديلاً نسبياً في ميزان القوى السياسي لمصلحة أهل السُنّة والجماعة في العراق.

وفي السياق عينه جاء تحديد الرئيس الأميركي باراك أوباما «بأن الاعتدال السُنّي هو من سيواجه التطرف السُنّي في الشرق الأوسط» مما يعني سقوط مشروع الهلال الشيعي الفارسي إلى غير رجعة من جهة وعبثية المشروع السياسي للتطرف الإسلامي السُنّي حيث يقتصر دوره على إسقاط الدولة في المشرق العربي مما يدفع إلى الفوضى العارمة التي لا تخدم إلا أعداء هذه المجتمعات التي تشكل تحالفاً موضوعياً عبّر نائب وزير الخارجية الإيرانية للعلاقات الإيرانية العربية بتحذيره من «أن سقوط بشار الأسد يُهدد أمن إسرائيل».

وعليه فإن إسقاط الدولة في لبنان لا يقع في مصلحة الشعب اللبناني ولا في مصلحة أهل السُنّة والجماعة فيه، بل بالعكس، إن هو إلا خدمة مجانية لأصحاب المشاريع النقيضة للدولة اللبنانية وللنظام السياسي اللبناني الذي أنتجه اتفاق الطائف.

نعم بالتأكيد فليس من مصلحة أهل السُنّة والجماعة في لبنان إسقاط الدولة فيه.

هذا ما تعيه جيّداً القيادات السياسية والدينية السُنّية وما تستوعبه نُخَب وفعاليات الطائفة الكريمة وكذلك جمهورها الواسع.

فعلى الرغم من الإحساس بالظلم والقهر لدى جمهور هذه الطائفة من حيث استنسابية تعامل بعض مؤسسات الدولة وتمييزها الإيجابي لمصلحة فريق «حزب الله» على حساب باقي الجماعات اللبنانية، وهذا ما أعلنه وزير الداخلية نهاد المشنوق بالفم الملآنة باتهامه أحد قادة الأجهزة الأمنية بعدم الوفاء الوطني، فإن أهل السُنّة والجماعة في لبنان، الذين لم يتخلو عن مؤسسات الدولة يوم استشهد الرئيس رفيق الحريري ويوم فرض «حزب الله» بواسطة أصحاب القمصان السود مرشحاً آخر لرئاسة الحكومة غير دولة الرئيس سعد الحريري، لن يتخلوا عن تبنيهم ودعمهم لمشروع الدولة الآن ولن ينقلبوا على «ثقافة الحوار» من أجل «ثقافة الغلبة» التي يمارسها «حزب الله».

إن الموقف المتوازن لتيار المستقبل القائم على حماية المؤسسات العسكرية والأمنية في لبنان وكذلك حماية الطائفة السنية من الانجرار إلى المواجهة مع الجيش التي يعمل عليها «حزب الله» بفعل تأثيره المرفوض داخل المؤسسة العسكرية، وتغطية فريق العماد ميشال عون لهذا التأثير، وهذا ما أصبح معلناً ومعروفاً، هذا الموقف سيفوّت الفرصة على وضع السُنّة أمام خيارين أحدهما مر: إما الالتحاق بداعش رفضاً للإحساس بالغبن من بعض الممارسات الظالمة بحقهم، وهذا ما سيعرضهم للمواجهة مع الجيش اللبناني والمجتمع الدولي. أو التسليم بخيارات «حزب الله» السياسية المرتبطة بالنظام الإيراني والقائمة على التدخل العسكري في سوريا دعماً لبشار الأسد في مواجهة الشعب السوري والسعي لتوريط الجيش اللبناني في هذه الخيارات وكذلك الحكومة اللبنانية! وبالتالي فلا إمكان لانتصار أي خيار سياسي، إن لم يكن له حاضنته العربية أو الإقليمية ودعمه الدولي. وهذا ما نجح به بشكل ملحوظ التحالف بين إيران والنظامين العراقي والسوري إذ دفع بقسمٍ من أهل السُنّة في هاتين الدولتين إلى الاختيار بين الاستسلام والخضوع للهيمنة الإيرانية بأدواتها العراقية الشيعية في العراق والسورية العلوية في سوريا أو الالتحاق بتنظيمات التطرف السُنّي مما يضعها ليس فقط في مواجهة المجتمع الدولي إنما أيضاً في مواجهة خط الاعتدال العربي. وهكذا تكون هذه التنظيمات المتطرفة عملياً في خدمة المشروع الإيراني إن بدفع من هذا المشروع أو بدعم سُنّي من بعض المتمولين في المجتمع الأهلي الخليجي تحديداً.

هذا ما أعلنه الوزير نهاد المشنوق، بصفته السياسية، كوزير يمثل تيار المستقبل في الحكومة اللبنانية: «إننا لن نكون قادة صحوات على الطريقة العراقية».

وهكذا يرسم تيار المستقبل خطه السياسي في مناخ المواجهة بين ليبرالية المجتمع الدولي والتطرف السُنّي متبنياً الخيارات الأيديولوجية لخط الاعتدال العربي المتمثل بالإسلام الأزهري الذي تميّز بوثائق ثلاث حول: 

الدولة المدنية التي يقر فيها أن لا دولة دينية في الإسلام. وهذا ما أكده خادم الحرمين الشريفين بأن: «لا إسلام سياسياً في الإسلام».

حرية المعتقد وحرية الرأي والنشر التي يؤكد فيها احترام الحريات العامة والخاصة، بما فيها حرية اختيار الفرد لمعتقده الديني.

حرية الإبداع أي إسقاط أية حدود يمكن أن توضع في مواجهة التقدم العلمي والاجتماعي والثقافي.

وهذا مع ما أكدته دراسة لمعهد واشنطن، ونُشرت منذ اسبوعين، بأنّ نسبة تأييد «داعش» في لبنان هي صفر %.

ولهذا الاستنتاج أسبابه الموضوعية منها والذاتية، أعرضها في ما يلي: 

في الأسباب الموضوعية: 

أولاً: إن اللبنانيين السُنّة هم بغالبيتهم سكان مدن وسكان المدن ليسوا من أهل العصبيات بمختلف أشكالها.

ثانياً: إن اللبنانيين السُنّة هم أهل سلطة تاريخياً فالولاءات التقليدية عندهم تعمل في إطار مشروع الدولة وليس من خارجها.

ثالثاً: أيديولوجية أهل السُنّة هي ايديولوجية استيعابية وليست أيديولوجية حصرية وهذا تقليد من تقاليد أهل السلطة تاريخياً.

رابعاً: إن المؤسسة الدينية عند أهل السُنّة والجماعة تعمل بالتوازي مع المؤسسة الدولتيّة إنما بارتباط فيها وليس بالتعارض معها.

أما في الأسباب الذاتية: 

أولاً: المدرسة الحريرية السياسية، التي كانت ولا تزال تشكل المرجعية السياسية الأولى للبنانيين السُنّة، بغالبيتهم، فإنها مدرسة مبنية على العمل السياسي في إطار احترام المؤسسات والقوانين المرعية الإجراء، لا الخروج عليها تحت أي عذر كان.

ثانياً: وضوح مواقف دولة الرئيس سعد الحريري من حيث دعم الجيش اللبناني والمؤسسات العسكرية والأمنية قولاً وفعلاً.

ثالثاً: تبني مؤسسة الإفتاء اللبنانية، برئاسة المفتي دريان لأيديولوجية أهل السُنّة الاستيعابية وللخط السياسي للمدرسة الحريرية.

رابعاً: تيار المستقبل، الذي تشكل البيئة السنية اللبنانية الحاضن السياسي الأساس له وتوظيف تيار المستقبل لهذه البيئة الحاضنة في إطار دعم الدولة بمؤسساتها كافة.

خامساّ: ليس هناك في البيئة السُنيّة اللبنانية من وجود لقوى سياسية تعمل خارج إطار الدولة، إلا بعض مجموعات يتم توظيفها من قبل «حزب الله» في إطار التحريض المذهبي والتوظيف السياسي لوضع الجيش اللبناني في مواجهة مع البيئة السُنيّة وهذا ما كان يعمل عليه «موقع لواء أحرار السُنّة في بعلبك» والذي كان يشغله أحد قيادات «حزب الله».

سادساً: الحضور العربي لتيار المستقبل حيث يتم دعمه من خط التضامن العربي المتمثل حالياً بالمملكة العربية السعودية ومصر أساساً وباقي الدول العربية العاملة في إطار جامعة الدول العربية.

سابعاً: الحضور الدولي لتيار المستقبل وهذا ما تؤكده العلاقات المتراكمة مع رؤساء دول العالم، من زمن الرئيس الشهيد حتى اليوم، والتي تمثلت أخيراُ باللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بدولة الرئيس سعد الحريري وكذلك بالوفد الذي شارك في مؤتمر حول مسيحي الشرق في واشنطن في الأشهر الأخيرة.

هذا ما يدفعنا للاستنتاج بأن الانتماء الوطني اللبناني هو الانتماء المحدد عند أهل السُنّة من اللبنانيين اليوم مما يسمح لنا بتعريفهم «باللبنانيين السُنّة» وليس «بأهل السُنّة في لبنان». ومما يثبت أن «لبنان أولاً» ليس شعاراً فقط إنما هو انتماء وولاء حقيقيان عند ابناء هذه الجماعة اللبنانية.