Site icon IMLebanon

لهذا على السعودية أن تقلق

في أيار 2013، رأى السفير البريطاني في بيروت، توم فليتشر، أن الأوضاع في المنطقة تشير إلى أن اتفاق «سايكس ــــ بيكو ليس أبدياً»، والى أن «سايكس ــــ بيكو جديداً» يلوح في الأفق. بعد عامين على الأحداث في سوريا، وقبل عامين من العدوان على اليمن، استشرف سفير الامبراطورية العجوز الذي لطالما لعبت بلاده بحدود دول ومصائر شعوب، أن أحداث «الربيع العربي» ليست إلا بداية خريطة جيوسياسية جديدة للمنطقة.

في رأي مصادر متابعة، بات واضحاً أن الأميركيين يعدّون لمنظومة جديدة على أنقاض اتفاق سايكس ـــ بيكو، يسعى كل من الأطراف الاقليمية، بشراسة، إلى حجز مكانه فيها. تل أبيب ضلع ثابت في هذه المنظومة بفعل تحالفها الاستراتيجي مع واشنطن. طهران حفرت لنفسها مكاناً مؤكداً على خلفية حجم الدور الذي يمكن أن تلعبه، وحلفاؤها، من هضاب آسيا الوسطى إلى سواحل البحر المتوسط. وهذا يفسّر جنون اسرائيل من اتفاق الاطار النووي الذي يفضح ضآلة دورها الاستراتيجي بالنسبة للمنظومة الدولية، مقارنة بأهمية الدور والموقع الايرانيَين. فماذا لو قُرن هذان الدور والموقع مع عقد لواء العالم السني لتركيا؟

وحدها السعودية، في المخاض الحالي، تبدو كمقامر تائه بعدما ضيّع أمواله على طاولة اللعب. في سوريا، باتت إطاحة النظام السوري وراء الجميع. كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن الاستعداد للتفاوض مع الرئيس بشار الأسد لإنهاء الأزمة لم يكن زلّة لسان. لم يعد الأسد رئيساً «فقد شرعيته وعليه أن يرحل»، كما لم يملّ المسؤولون الأميركيون عن الترداد في السنوات الأخيرة. في سوريا أيضاً، إقرار بواقع دور إيران، وحليفها حزب الله. لم يعد أحد يذكر متى كان آخر تصريح غربي مندّد بدورهما في هذا البلد. في العراق، إقرار بدور متقدم جداً لطهران وحلفائها. لم يصل ويجل قاسم سليماني في عراق نوري المالكي كما صال وجال في عراق حيدر العبادي. في لبنان، الأمر الأميركي صارم: ممنوع استعمال الارهابيين في لعبة الداخل بما يهزّ الاستقرار ويسهّل وصولهم الى سواحل المتوسط، بل المطلوب مواصلة محاربتهم. بمعنى آخر: تقاطع مصالح واضح بين واشنطن وخصومها على النأي بالساحة اللبنانية عن صراعات المنطقة. وأخيراً في «الحديقة الخلفية» للمملكة. راقب السعوديون، بذهول، اليمن ينسلّ من بين براثن وصايتهم. وحتى عندما استنفروا العالم الاسلامي في عدوان «عاصفة الحزم»، انتهى الأمر بهم وحيدين في المعركة. وهي معركة خاسر ـــ خاسر، لا مجال للربح فيها: أي حلّ سياسي سيتضمّن، من دون شك، اعترافاً بشراكة ايران ونفوذها في هذا البلد. أما الإمعان في الغرق في مستنقع الحرب فستكون تأثيراته كارثية على الداخل السعودي: لن يجد إرهابيو «القاعدة» في حضرموت في تقهقرهم أمام أنصار الله، وإرهابيو «داعش» في الأنبار في تراجعهم أمام الحشد الشعبي، إلا العمق السعودي يرتدّون إليه. عمق يتمتع بكل مقوّمات البيئة الحاضنة كونه منبع الفكر الإرهابي. عندها، هناك من يغامر بالقول إن سلمان بن عبد العزيز قد ينتهي «ملك نجد»!

مؤكد أن من المبكر جداً القول إن الدور السعودي لمصلحة واشنطن انتهت صلاحيته. ولكن ما ليس مبالغاً فيه تلمّس بدايات مؤشرات التخلّي الأميركي. فإلى الاتفاق مع إيران الذي نزل على الرياض كالصاعقة، لم يكن اتهام نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في تشرين الأول الماضي السعودية بدعم الارهاب وتمويل الجماعات التكفيرية كـ «القاعدة» و«داعش» زلّة لسان. ولا كانت زلّة من الرئيس باراك أوباما، أخيراً، إشارته إلى أن أكبر خطر يتهدد دول الخليج منبعه السخط داخلها. وبالتأكيد ما كان رئيس الوزراء العراقي، لولا ضوء أخضر أميركي، ليجرؤ على التشكيك، من داخل البيت الأبيض أول من أمس، بالعدوان السعودي وباعلان اتفاقه مع الادارة الأميركية على «لا منطق» العدوان على اليمن. هذه كلها مؤشرات الى أن الغرب بات ينظر، بجدية وقلق، إلى تحول الجزيرة العربية الى أكبر «فقّاسة» للإرهاب في العالم: هنا، أكبر مصدر ايديولوجي للارهاب؛ وهنا، أكبر مصدّر للإرهابيين؛ وهنا، أكبر داعم مادي للارهاب. مليارات الدولارات صُرفت وتُصرف على مدارس «حفظة القرآن» الوهابية التي خرّجت إرهابيي «طالبان» و«القاعدة» و«داعش». بات الغرب يعطي أولوية قصوى لتجفيف المنابع الفكرية والمالية لهذه الظاهرة. لن ينسى الأميركيون أن 15 من 19 انتحارياً في هجمات 11 أيلول كانوا سعوديين.

مرة أخرى، مبكر جداً القول إن وظيفة آل سعود، أميركياً، قد انتهت. لكن، من المفيد الاشارة الى أنها أنّى أمطرت فإن خراجها عائد لواشنطن. ولهذا كله، على السعودية أن تقلق… وتقلق جداً.