IMLebanon

عن طوني أوريان وبيار حشاش: بيروت ليست حيّاً في الرياض

منذ بضعة أسابيع بدأ النظام السعوديّ التعامل مع الدولة اللبنانية باعتبارها محافظة سعودية تسري عليها قوانين مملكته وأحكامها: يُحرم المسّ بذوات الأمراء الإلهية خطابة أو في المطارات. يمنع في الصحافة ووسائل الإعلام كتابة أو قول ما لم يقله المصدر الرسمي في المملكة لوكالة الأنباء السعودية.

يقطع بث الفضائيات التي لا تعجبه ويحجب المواقع الإلكترونية. يرحّل كل من لا يعجب مخدوميه. يتعامل مع وزارة الخارجية اللبنانية تعامله مع مستشارية ثقافية سعودية ملزمة بقول ما تقوله الخارجية السعودية في شتى المجالات. ويشنق أخيراً كل من يخالف رأي الأمراء ولا يجاريهم في نزواتهم.

لا يعلم النظام الديكتاتوري أن نفوذه في لبنان بلغ في تراجعه العموديّ حداً يجعله أضعف مما كان عليه في أي يوم سابق. لم يقل له أحد إنه لا يملك عملياً أية ورقة قوة في الساحة اللبنانية. لا يعلم أن أزلامه يبيعون ما تحتهم وفوقهم للعودة إلى السلطة لثقتهم بعبثية التعويل عليه. لا يصدق أن من يحيون ليالي الوصال الجنادرية في حرم سفارته إنما «ينخّون» لتقبيل ساعات الرولكس، لا يده، وهم كانوا أمس وسيكونون غداً بمعزل عنه. لم يقل له أحد إن من ترد أسماؤهم في التقارير يرفعون الصور لجهابذته إنما وظيفتهم وباب استرزاقهم رفع الصور.

ثمة نظام خاسر لا يتردد بقطع الأعناق والأرزاق يجد من يستغله في هذه الأيام المعيشية الصعبة، لكنه يجد أيضاً من يصارحه بحقيقته. ليس حزب الله والتيار الوطني الحر فقط، بل موجات افتراضية تعلو حين تدعو الحاجة وناشطون ميدانيون بدأوا يُسمعون من يطرق الباب الجواب الملائم: طوني أوريان ومجموعته الفارة من وجه العدالة السعودية، وبيار الحشاش ومجموعته التي اعتُقِلَت في النظارة السعودية وجهان لمبدأ واحد. هناك من يرفض أن تكون بيروت ــ بتعدديتها وحرية آرائها ووسائلها الاحتجاجية المختلفة ــ حياً في الرياض يحكمه آل سعود. ومن حيّد السفارة السعودية سابقاً عن ردود فعله لن يحيّدها مستقبلاً. فالنموذجان، رغم اختلافهما، يأتيان من خلفية لا ترى أن مشكلتها مع مملكة الوهابية اختلاف مذهبيّ أو فكري أو سياسي. ولا أوريان ولا الحشاش مشكلتهما اليوم مع التكفير الوهابي الذي يؤيدان بقوة من يقاتله في سوريا ويحمي لبنان منه، بل مشكلتهما مع تمادي النظام السعودي في إهانته الشخصية للبنانيين. وهناك من سيلحق بهاتين المجموعتين في البحث عن وظيفة في مكان آخر لا تحتاج كل هذا التحقير والإهانات اليومية وتربيح الجميلة التي يوجهها النظام السعودي للبنانيين. الأمر يتجاوز الكاريكاتور وردود الفعل عليه؛ الأمر يتعلق بتراكمات سعودية لا يجوز السكوت عنها. ولعل غالبية القوى السياسية تتجنب التصعيد وتهادن وتلطف موقفها. إلا أن كتابات بعض إعلام النظام السعودي وإهاناته المتواصلة للبنانيين مجتمعين تحفر في قلوب كثيرين وعقولهم. وفي النهاية، تختلف أشكال التعبير طبعاً من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، إلى الناشط في التيار الوطني الحر طوني أوريان، لكن النتيجة واحدة: لبنان ليس محافظة سعودية، ولن يكون. سبق لأوريان أن تحمّل وزر قوله في عهود رفيق الحريري إن لبنان ليس محافظة سورية، وهو يتحمل اليوم تبعات قوله بالجرأة نفسها إن دولته ليست محافظة سعودية. التفاصيل القضائية بشأن تعارض ما قامت به كلتا المجموعتين مع قانون العقوبات وحدود حرية التعبير وغيرها، كلها أمور على هامش السياسة. في الأصل، ثمة كرة ثلج غير محسوبة، تكبر، ولو ببطء. ولا بد لها من أن توصل الرسالة إلى من عليه أن يسمع: بيروت ليست حيّاً في الرياض ولن يحكمها ضابط أمن سعودي.