IMLebanon

لمَن الطلقة الأولى؟

 

الحرب الإقليمية مجرد سيناريوات ومخاوف ورعبٍ من ذعر أيام قد تأتي قريباً، ربما لتدشن الفصل الأخير الذي يمهد لخرائط جديدة شرق أوسطية؟

 

الأرجح أن حرب اليوم التالي لقرار سيد البيت الأبيض نفض يد واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، لم تعد وراء الباب، بل باتت في ساحات اكتمل مسرحها. وما زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو موسكو أمس إلا لتجديد «كلمة السر» مع الكرملين، والفصل بين ضمان عدم الاشتباك مع قواته في سورية، وما يمكن أن يتدحرج سريعاً في دمشق تحت وطأة ضربات إسرائيلية كثيفة.

 

أما السؤال لمَن تكون الطلقة الأولى، فلعل الإسرائيلي أجاب عنه سريعاً بعد ساعات قليلة على إعلان الرئيس دونالد ترامب قراره نعي التزام واشنطن بالاتفاق النووي «الكارثي».

 

 

قصف صاروخي على ريف دمشق، مجرد صورة «روتينية» في «الحدث السوري»، لكن المسرح الكبير للحرب الاقليمية لا ينتهي في الجولان ولا لبنان ولا اليمن. عين مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون على طهران.

 

وفي حسابات الحرب، لا يعني الإسرائيلي أن تمتعض أوروبا من قرار ترامب، لأنه سيعني خسارتها عشرات بلايين الدولارات إذا انسحبت شركاتها من إيران، مرغمة تحت سيف العقوبات الأميركية. لذلك كان الغضب الفرنسي من تنصيب واشنطن نفسها «شرطياً اقتصادياً للعالم».

 

لكلٍ مصالحه، ولطالما تعايشت إسرائيل مع نظام بشار الأسد رغم تعقيدات الحروب السورية وتحالفاته، ها هي تطرح الورقة الأخيرة ليتلقفها الروس: أذا أرادوا تغيير وجه النظام الذي يرفض أي تسوية مع معارضيه، حانت الفرصة الذهبية: ضربات كثيفة لاقتلاع «القواعد» الإيرانية في سورية المنكوبة بنظامها وحلفائه، ولاطاحته بعدما أتاح لطهران تجاوز «الخط الأحمر» الإسرائيلي.

 

ولكن بأي ثمن؟ إيران بجيشها وحرسها «الثوري» وأدواتها الاقليمية تتوثب، والأكيد أن طموحها رد الصاع لترامب في مسرح النكبات العربية، وبدماء عربية.

 

فجأة، بعد إصرار ترامب على سحب القوة الأميركية المتمركزة في سورية، نشَرَ «قوة ضاربة» في البحر المتوسط، يرجح أن تقدم الدعم للإسرائيلي اذا اختارت إيران تحريك «حزب الله» لاشعال جبهة جنوب لبنان وتوريط نتانياهو ليتراجع عن ضربات استئصال الوجود العسكري الإيراني في سورية، والذي لن يُفاجَأ أحدٌ إن تمدَّد علناً الى المتوسط، عبر الساحل السوري والساحل اللبناني.

 

ليس مصادفة نشر «القوة الضاربة» الأميركية ولا تعزيز القطع الحربية الروسية في البحر المتوسط، ولا قراءة الإسرائيلي لنتائج انتخابات لبنان بوصفها تشريعاً لمصادرة «حزب الله» قرار الدولة في هذا البلد الذي بات «يعادل الحزب» … ولبعضهم، قول نتانياهو أنه لا يريد حرباً مع إيران، لا يعكس سوى بعض كذبه، بصرف النظر عن النيات الحقيقية للإيراني صاحب «القوة الناعمة» التي حيثما تسللت سُفِكت الدماء العربية بلا حساب.

 

واضح أن الحرب الاقليمية التي ربما كانت شرارتها الأولى في ريف دمشق، ومستودعاته للصواريخ الإيرانية، هي قرار أميركي قاعدته خنق الاقتصاد الإيراني… وقرار إسرائيلي ينتهز فرصة مسرحٍ اكتمل، قد لا تتكرر.

 

يتكئ ترامب على نجاح «مفاجأته» في نفض الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون كل أحلامه بالترسانة النووية… بعد المفاجأة، باتت إيران على المحك. يريد الرئيس الأميركي رضوخها سريعاً ليسجل لنفسه الانجاز الثاني… لكن المرشد خامنئي ليس من «مدرسة» كيم، وتذكير طهران بـ «صمودها» خلال الحرب مع العراق (1980- 1988)ورقة جاهزة لقرار المواجهة.

 

صحيح أنها أغرت الأوروبيين بتراجعها عن الانسحاب من الاتفاق النووي بعدما انتفض عليه ترامب، لكن الصحيح أيضاً أنها تعهدت أن تقاوم «بضراوة» تحجيم نفوذها الإقليمي. لن تقايض عليه، لأن المرشد يعلم أن «التضحية» بهذا النفوذ، ستعني تلقائياً نزع أسنان النظام، ونهاية أحلامه بـ «إمبراطورية».

 

الرد على قرار ترامب ستختاره إيران أيضاً اقليمياً، ولا مفر من مواجهة طاحنة، لا يبدو أن جمهورية المرشد قادرة على التحكم بمفاجآتها، انطلاقاً من سورية وامتداداً إلى لبنان واليمن.

 

سيصعّد الحوثيون حملة استهداف السعودية، لكنه خيار انتحاري. وأما انكفاء جزء من قوة «حزب الله» في سورية إلى لبنان لمواجهة «العاصفة»، فليس خياراً طوعياً وأولى نتائجه تغيير قواعد الصراع التي أرساها الحلف الروسي – الإيراني – السوري على أرض منكوبة.

 

صيف استثنائي؟ لمَن الطلقة الأولى، قبل إعادة رسم خريطة الصراع في المنطقة، وإعادة إيران الى قواعد تسوية أميركية – روسية شاملة، يريدها ترامب قبل ولايته الثانية؟