«إختاري الحب أو اللاحب فجبن ألا تختاري لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار» (نزار قباني )
لو لم نكن نعرف مَن هو حسن نصرالله لظننا في بعض أجزاء خطابه الأخير في مناسبة تخرج أبناء الشهداء، بأنه مصلح اجتماعي لا هم له إلا إعطاء النصح لأهل السلطة على كيفية إدارة شؤون البلاد والعباد.
لحسن الحظ أنه اعترف بقصور معلوماته عن كيفية إدارة ملف النفايات، فعذره معه فهو اختصاصي فقط بكيفية تحويل البشر والحجر إلى ركام، وهذه تجربتنا معه في لبنان، وهذه تجربة سوريا، وتجربة العراق واليمن مع أشباه نصرالله.
الإستراتيجية الوطنية لعلاج النفايات، بحسب قول أحد أتباع نصرالله، النائب حسن فضل الله، وضعتها حكومة الرئيس سعد الحريري سنة ، وغمز فضل الله مشيراً إلى المسؤول عن عدم تنفيذ هذه السياسة من دون تسميته حتى لا تحسب الكذبة عليه.
هل نسي مَن انقلب بعد ستة أشهر على الحكومة ونصب حكومة أشبه بدمية يديرها نصرالله؟ ولم يقل فضل الله لماذا لم تنفّذ هذه الحكومة على مدى سنوات ثلاث خطة إدارة النفايات؟!
لكن القضية ليست في ملف النفايات بالذات، وإن كان تراكمها وروائحها اليوم وضعتها في واجهة الأولويات.
الإشكال الأساسي هو في ملف الشراكة الوطنية التي هي في الحقيقة شركة مساهمة دخل فيها «حزب الله» شريكاً مضارباً بناء على وجود نصف دولة فقط، أي دولة ذات حدود غير محددة، وفلسفة وجود غير واضحة، والتزامات دولية متضاربة، واقتصاد مترنح بين الحرية والريعية، وأمن معلّق بين الحرب والسلام، وشباب حائر بين الشهادة في المعركة والشهادة من الجامعة، بين أم تزغرد لابن عريس أو ابن مضرج بالدماء، بين بلد مستقل القرار وبلد تابع ومستخدم، بين جندي في الجيش اللبناني وعنصر في الحرس الثوري، بين العروبة والفرسنة، بين الرخاء والأمل والاستقرار والموت المجاني عن ديكتاتور هنا وأسطورة هناك. هذه هي الأزمة الحقيقية التي تأتي أزمة النفايات كتفصيل صغير في تداعياتها!
حسن نصرالله يريد إبقاء لبنان في المطهر حتى بعد إلغائه كنسياً، يعني في أرض التيه ما بين الجنة والنار حتى يبقى هو وجماعته بعد فناء البلد، لا فرق إن كان غارقاً بالنفايات أو الركام أو الفوضى…
هذا ما عاد وأكده السيد في الحديث الممل والمكرر عن ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، وعندما يتحدّث عن الشعب فهو يعني جمهوره المؤيد له، أي أشرف الناس وأعز الناس، أما باقي الشعب فهم أتباع ومتآمرون وتكفيريون وصهاينة.
وعندما يتحدث عن الجيش فهو يعني برأيه القوى العسكرية والمخابراتية التي تسهل أو تطنش عن تحركات جماعة إيران من المطار إلى الحدود وما بينهما، من تبييض أموال وتهرب من الضرائب وأعمال أمنية وإرهابية وتهريب ممنوعات وأعمال حربية في الداخل والخارج. جيش ضعيف البنية والتسليح لنقول إنه لا يمكن أن يحمي البلد، جيش حسب قوله بعضه متآمر أو عميل لأنه لا يؤله حزب حسن نصرالله.
وعندما يتحدث عن المقاومة، فهي فقط تلك المجموعة العقائدية التي تتبع مذهبه السياسي والديني والأسطوري، وتعمل تحت إدارة قيادة الحرس الثوري في طهران، وتتبع توجيهات المرشد الأعلى المقيم في طهران. أما عدا ذلك فهم مخربون أو مغامرون لأنهم لم يحملوا تكليفاً شرعياً بحسب قول نعيم قاسم في كتابه عن «حزب الله»، أو صهاينة أو تكفيريون أو «عملاء أميركا» إن كانت مقاومتهم ضد ديكتاتور سفاح وسافل لكنه تابع من أتباع إيران.
تحدث نصرالله عن الشراكة الوطنية وعن دعوة تيار «المستقبل» إلى النزول من برجه العاجي للحديث مع ميشال عون.
يا حبيبي إن أهم عنصر في الشراكة الوطنية هو مسألة الحرب والسلام، فمع مَن نسقت وتشاركت في حروبك التي فرضتها على باقي الشركاء؟
شراكتك معهم هي فقط في تحمّل نتائج التزامك بأوامر إيران، أي إصلاح الدمار في البشر والحجر والاقتصاد. يعني أنت تخرب وهم يصلحون، وكل مَن سألك عما تفعله يصبح صهيونياً.
أما عن البرج العاجي الذي تفترض أن تيار «المستقبل» يعيش فيه، فقد دفع هذا التيار معظم رصيده الشعبي لأنه لا يحيا مثلك وراء الكاميرات في كهف عاجي. لقد دفع تيار «المستقبل» الثمن غالياً لواقعيته وصموده أمام دعوات التطرف والشعبوية والطائفية، فيما تحيا أنت وميشال عون على هذه الشعارات.
العجيب يا حبيبي هو أنك في كل مناسبة تعود لتذكرنا بأن إسرائيل تمتدحك ونحن نهجيك، وأنت تعلم خبث العدو، وهو إن مدحك فهو ليدفعك إلى المزيد من الأعمال التي يرغب بها وتفيده رغم إعلانك الانتصار!
أما الحديث عن بقاء «الشيطان الأكبر» شيطاناً فيبدو أن المرشد الأعلى تحوّل إلى ما يشبه حال «فاوست» في ملحمة «غوته»، يدخل في اتفاقية مع الشيطان لخدمة الخير؟!
فعلى مَن تحاضر يا حبيبي؟؟
() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»