لماذا يُصرّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله على نكء الجراح باتهامه المباشر حكومة الرئيس تمام سلام بالمسؤولية الكاملة عن استشهاد العسكريين الذين خطفهم داعش في العام 2014، ويتباهى في الوقت نفسه بالدور الكبير الذي لعبه الحزب بعد انتصار الجيش على الدواعش في آب 2017، لإخراج مسلحي داعش مع عوائلهم من الجرود وترحيلهم تحت حمايته والجيش السوري إلى منطقة دير الزور في شمال سوريا، علماً بأن الحزب يعلم علم اليقين ان الجيش اللبناني هو وحده الذي حرّر الجرود من الدواعشيين وكان يمكن ان يقع على صيد ثمين من التحقيقات التي كان يمكن ان يجريها مع المنهزمين في هذه المعركة والمستسلمين له، لولا تدخل حزب الله وفرض شروطه بإخراج المسلحين مع عوائلهم قبل ان يتسنى للجيش التحقيق معهم والحصول منهم على كنز من المعلومات التي يستفيد منها لبنان وأمنه بطبيعة الحال.
بالنسبة للإشكالية الأولى المتعلقة بالانتقادات اللاذعة التي وجهها أمين عام حزب الله إلى حكومة الرئيس تمام سلام لأنها، حسب ادعائه، رفضت خوض معركة ضد النصرة وداعش لتطهير عرسال وجرودها وباقي الجرود من كل وجود للمنظمتين الارهابيتين، فالسؤال يجب ان يُوجّه إليه شخصياً قبل ان يوجه إلى أي طرف آخر، لأنه كان يومها ممثلاً بالحكومة بوزيرين بدلاً من وزير واحد، ووافق الوزيران على القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء بهذا الشأن. ثم إذا كانت الحكومة، كما يدّعي، متواطئة فلماذا لم يتخذ هو قراراً بالحرب على هذين التنظيمين الارهابيين كما فعل في آب ولم يستأذن الحكومة اللبنانية قبل اتخاذ هذا القرار لو لم يرَ في ذلك الوقت ان الظروف الإقليمية والدولية لا تسمح له بالقيام بأي عمل عسكري من هذا النوع؟
اما بالنسبة إلى الأمر الثاني فكلام الأمين العام لحزب الله كان واضحاً وصريحاً لجهة ان ما حصل في الجرود كان نتيجة توافق إقليمي ودولي كان الحزب شريكاً اساسياً فيه انتهى بتطهير الجرود بواسطة الجيش اللبناني بانتصار غير مكتمل وافضى إلى تنفيذ الصفقة الإقليمية بالتفاوض مع داعش وترحيل المقاتلين وعوائلهم إلى منطقة دير الزور في شمال سوريا، وبذلك يكون حزب الله قد نسب إلى نفسه تحقيق هذه الصفقة على حساب الجيش اللبناني الذي أثبت قوة وجدارة فائقتين في القتال ضد داعش، وانتصر عليه بقوة سلاحه وحدها من دون ان يُسمح له بتحقيق الانتصار الكامل بالقبض على ما تبقى من مسلحي داعش والتحقيق معهم للكشف عن كنوز من الخطط التي كان داعش يحتفظ بها لضرب الداخل اللبناني، كما كان يفعل في السابق قبل ان تحصل الصفقة الإقليمية، والتي قضت بانسحاب مقاتلي داعش من منطقة الجرود تحت مظلة حزب الله وجيش النظام السوري.
هذه الحقائق التي كشفت عنها مجريات الأمور والمواقف التي أدلى بها أمين عام حزب الله أوّل من أمس، لا تحتاج إلى أي دليل، لأن دليلها واضح المعالم كلياً، وكان يمكن ان ينتبه لها الأمين العام، فلا يأتي بتصريحات ومواقف هدفها التقليل من أهمية انتصار الجيش، وأكثر من ذلك التعمية بكل السبل المتاحة على انتصار الجيش في الجرود من جهة، والتجني من جهة ثانية على الرئيس تمام سلام عبر الدعوة إلى محاسبة القرار السياسي المتردد والجبان في الفترة السابقة على حدّ تعبيره.