ساعات قليلة فصلت بين الغارة الإسرائيلية الجديدة على جرمايا في الريف الدمشقي، وقصف الأميركيين لقوات موالية للرئيس السابق بشار الأسد في منطقة دير الزور. لكن الحساب ليس في الزمن وفواصل الوقت، إنما في المبدأ العام القائل بأنّ «استطرادات» المحور الإيراني – الأسدي ميدانياً، غير مأنوسة ولا مسموح بها، إلاّ إذا بقيت ضمن وتيرتها «المعتادة»، أي التمرجل على عموم أهل البيئة السورية المعارضة! والاستمرار في تسجيل «الإنجازات» و«الانتصارات» عليها!
محاولة التملّص من، أو تجاور «خطوط الفصل» بين مناطق نفوذ الأقوياء مثلما قررتها ورسمتها أقلام الأميركيين والروس، هي محاولة عبثية لن تثمر سوى المزيد من الخسائر والخزي لأصحابها من ذوي الرؤوس الحامية في غرف عمليات الإيرانيين والأسديّين.. وكلما تكرّرت المحاولة، إزدادت وتيرة الردع! ولا فرق في الإجمال إن كان الرادع إسرائيلياً، يدّعي الانشغال بالتصدي لتزايد نفوذ إيران في سوريا. أو أميركيا يدّعي حماية «حلفائه» الأكراد… الذين يحمون في الواقع، «الوجود» الميداني لـ«المارينز» و«الخبراء» و«الاستشاريين» الأميركيين في مناطق شرق الفرات، بعد تطهيرها من «داعش»، وحيث حقول النفط الشهيرة!
ما تقوله موقعة دير الزور، سبق أن قالته (لمَن يتذكّر) موقعة قاعدة التنف على الحدود المثلّثة العراقية – الأردنية – السورية.. وذلك مفاده أنّ «الاقتراب» أو محاولة الاقتراب من مناطق نفوذ الأميركيين وحلفائهم هو أمر خارج نطاق البحث والمساومة والاستجداء. وأن التعويل على «الغطاء» الجوّي الروسي هو لعب عيال لا يليق بأحد، ولا حتى بالأغرار في علوم السياسة والجغرافيا والحسابات الكبرى!
وما سرى ويسري، منذ الانعطافات الكبرى لهذه النكبة، وخصوصاً بعد إطلاق «عاصفة السوخوي» أواخر العام 2015، لا يزال يسري وسيبقى يسري حتى إشعار آخر: «الحلف» الروسي – الإيراني – الأسدي متخصّص حصرياً بالسوريين وبيئتهم المعارضة! وصالح للاستخدام والتسويق فقط إزاء المجموع العربي الأكثري! أمّا الاستطراد (مجدّداً) خارج حدود هذه الخريطة، فهو تخريص يناسب أدبيات «الممانعة» وأهازيجها الإنتصارية ليس إلاّ!
.. ومرّة أخرى، تأتي الغارة الإسرائيلية الجديدة على جرمايا لتؤكد ذلك! وتُتمّم موقعة الفتك الناري الأميركي بمن حاول الاقتراب من دير الزور فصول هذه السالفة! وتطرّز حروفها بالنار والحديد.. ثمّ تعيد الألق إلى الأسباب العميقة لـ«قرار» عدم الاستعجال في إسقاط بقايا السلطة الأسدية برغم تراجع قدراتها الوظيفية الأولى والأساسية المتّصلة بحماية حدود إسرائيل برموش العين: دمَّرت سوريا وضعضعت كيانها وقدراتها واحتمالاتها، على مَدَيات استراتيجية أكيدة! وسعّرت المطحنة الفتنويّة إلى أقصى درجة محتملة وممكنة. وتسبّبت بحرق فكرة «المقاومة» وردّها إلى «جذورها» المذهبية الأصيلة. وفعّلت حقول الجذب المغناطيسي لكل أنواع الإرهاب المتأسلم، بشقّيه المذهبيَّين!.. ثم نجحت إلى حدود بعيدة، في طمس الجريمة الصهيونية الأولى مع متفرّعاتها، وأحالتها إلى «تفصيل» مقارنة بالبلايا والكوارث والمجازر والنكبات التي سبّبها ويسبّبها عرب ومسلمون في حقّ عرب ومسلمين!
في حدود هذه المعطيات الوظيفية والاستنزافية، يجب أن يبقى أداء بقايا السلطة الأسدية وحُماتها الإيرانيين وميليشياتهم المذهبية.. وممنوع الاستطراد، خارج تلك الحدود، وبالمعنيَين: التكتي الخاص بانتزاع مناطق جديدة، أو التمرّد على «تفاهمات» أميركية – روسية، أو روسية – إسرائيلية. أو بالإستراتيجي الخاص بتغيير وظيفة «حماية» حدود إسرائيل، أو تثبيت النفوذ الإيراني خارج منطوق احتمالاته الفتنويّة، أو باتجاه العودة إلى الاستثمار في فكرة «المقاومة» وإحيائها من رميم مذهبيّتها ووظيفتها في خدمة مشروع طهران في المنطقة!