IMLebanon

ممنوع انكسار عون حكومياً

بين التصعيد الكلامي في وجه العماد ميشال عون، وإصرار الأخير على مواقفه، تأكيد سياسي بمنع انكسار عون حكومياً والحفاظ على التمثيل المسيحي في الحكومة

لم يتمكن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، حتى الآن، من تحقيق مطلبه بتغيير قائد الجيش العماد جان قهوجي وتعيين خلف له. لكن ما حققه، بعد أسبوعين على وقف أعمال مجلس الوزراء، أعطاه نتائج إيجابية، قياساً إلى حجم المعارضة التي جوبه بها حتى الآن. فقد تمكّن من فرض إيقاعه الخاص على الحياة السياسية، وهو أمر لم يتمكن من تحقيقه بهذا الشكل الواضح، منذ أن أصبح شريكاً في الحكومات المتعاقبة.

وبغض النظر عن الرغبة التي تحدو جنرال الرابية إلى اتخاذ هذا الموقف، سواء بالنسبة إلى إبعاد قهوجي عن السباق الرئاسي، أو بسبب رفضه المزمن للتمديد، فإن رئيس تكتل التغيير والاصلاح انتزع اعترافاً، ليس بحقه في تلبية طلبه، بل على الأقل بالأمر الواقع الذي أحدثه أخيراً (بعد وقف أعمال مجلس النواب) بتعطيل جدول الأعمال لا تعطيل الحكومة. كذلك انتزع اعترافاً صريحاً، للمرة الأولى أيضاً، من حزب الله الذي وقف إلى جانبه في معركته في شكل أوضح من بعض حلفائه، رغم تشكيك البعض سابقاً بسبب علاقة الحزب بالجيش وقيادته الحالية. وخلافاً لما روج له البعض من أن موقف حزب الله هو مجرد توزيع أدوار بينه وبين الرئيس نبيه بري، تمكن عون منذ لقائه السيد حسن نصرالله، من تكريس التمايز بين موقف بري والحزب، على عكس ما كانت عليه الأمور مع التمديد لمجلس النواب والتمديد الأول لقهوجي، وهو ما أكدته أيضاً مواقف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أخيراً.

لم يكن عون يغامر حين انتهت المشاورات التي قام بها داخل التكتل وخارجه، بعدما تبين عدم صلاحية الاستقالة وتأثيرها في مجريات العمل الحكومي، باستحداث آلية جديدة في العمل السياسي، لا هي مقاطعة ولا هي تعليق مشاركة. لم يذهب عون في أي معركة قادها منذ عام 2005، إلى الحد الذي بلغه اليوم في معركته لمنع التمديد لقهوجي وفرض التعيينات الأمنية في كل المراكز التي تفرغ تباعاً.

حقق عون حتى الآن جزءاً من خريطة الطريق التي رسمها لتحقيق مطالبه

وهو يضع كل رصيده فيها، بعدما رفع سقفها إلى مرتبة أعلى من المرتبة التي وصل إليها موقفه الرافض للتعيينات التي كان يعتبرها مجحفة بحق المسيحيين، أو التمديدين المعروفين، أو حتى في اتفاق الدوحة والتسوية الرئاسية التي أنتجها. وللمرة الأولى، يستعيد عون السلاح الشعبي بهذا الشكل، منذ الانتخابات النيابية عام 2009، بدعوته هيئات المناطق إلى لقاءات شعبية في الرابية لشرح موقفه من التعيينات ومن الحكومة.

حقق عون حتى الآن جزءاً من خريطة الطريق التي رسمها لتحقيق مطالبه، من دون أن يتأثر بالسعي إلى تحميله وزر العبء الاقتصادي والمالي والزراعي المزمن. لكن المفارقة أن ثمة واقعاً جديداً بدأ يفرض أيضاً نفسه على شركاء عون في الحكومة ومعارضيه في تنفيذ مطالبه. إذ اعتاد هؤلاء، في الأعوام الأخيرة، أن تقف معارضة عون عند حدود معينة، سقفها بعض تنازلات شكلية من هنا أو هناك. وساد الاعتقاد أخيراً بأن حجم المعارضة الراهنة سيكون محدوداً، رهناً بحاجة عون إلى أصوات حلفائه في الانتخابات الرئاسية، كرئيس المجلس النيابي والمستقبل، ولا سيما في ضوء حوارات الأشهر الأخيرة بينهما. لكن ما حصل هو أنه كلما ارتفعت لهجة بري، مباشرة أو من خلال ما ينقل عن الرئيس تمام سلام ومواقف قيادات المستقبل المعلنة، صعّد عون في المقابل موقفه الرافض لأي تسوية تتعلق بالتمديد، مصراً في الوقت نفسه على عقد جلسات مجلس الوزراء. يتصرف عون وفق القوانين ولا يتخطى الطائف ولا مكانته التي أعطته إياها التركيبة الحالية في الحكومة.

أما المفارقة الأكثر حدة، فهي أن أياً من معارضي عون، ورغم ارتفاع اللهجة ضده وعدم تأييدهم الصريح له، لم ولن يلجأ إلى تحدي عون في موقفه وكسر التوافق الداخلي، سواء في الحكومة أو خارجها. فحتى الآن، بدت سياسة رفع الصوت ضد عون ومواقفه عالية إعلامياً، متعارضة مع السعي الحثيث إلى امتصاص أي محاولة لاستفراده أو حتى لتجاوزه، رغم ما يتردد عن دستورية الجلسة وميثاقيتها من دون وزرائه، علماً أن وزراء التكتل مصرون على حضور الجلسات الحكومية كلها. ويصف أحد السياسيين المسيحيين المستقلين هذا الواقع المتناقض بين اللهجة العالية والأداء السياسي، «بأن القيادات الرئيسية تعرف تماماً أنه ممنوع على أي فريق سياسي اليوم «كسر عون حكومياً». لا يصب انكسار عون في مصلحة أي فريق سياسي، ولا في مصلحة التهدئة التي لا تزال ترعى الاستقرار الداخلي. وأي انكسار لعون في معركة كبر حجمها إلى هذا الحد، لن يكون من السهل على أي فريق سياسي أن يحصر ارتداداتها. وكذلك إن أي استهداف له يعني استهداف فريق مسيحي يمثل في الحكومة أكبر حصة مسيحية، وهذا الأمر لا يجب أن يقبل به أكثر معارضي عون من المسيحيين حدة. فعون كرس ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع تقاسمهما لزعامة التمثيل المسيحي. ولأن جعجع غير مشارك في الحكومة، ولا يتمثل بها من خلال مسيحيي قوى 14 آذار أو وزراء المستقبل، يبقى عون ممثلاً لأكبر كتلة مسيحية داخل الحكومة. ومن شأن أي مسّ بتمثيل بهذا الحجم، أن يعطي الوقوف في وجه عون أبعاداً أخرى، ويأخذ طابع التحدي، ما يضرّ بالتوازنات التي رست عليها تركيبة الحكومة في غياب رئيس الجمهورية.