يستشعر الرئيس تمام سلام خطورة الظروف التي يمر بها لبنان نتيجة انعكاسات تطورات المنطقة سلبياً عليه، والتي تتبدى بالتطورات الأمنية المتلاحقة والمتصاعدة وتيرتها من جرود عرسال وبريتال وصولاً الى الحدود مع سوريا من جهة جبل الشيخ ومنطقة العرقوب المتاخمة، من دون إغفال ما يتعرّض له الجيش من استهدافات مباشرة مؤخراً عبر التعرض لدورياته وافراده. ويؤكد أمام زواره انه يسعى بكل الطرق مع الاطراف المحلية والدول الصديقة المعنية من أجل تدارك الانعكاسات الاقليمية.
وهذه المخاوف لا تقتصر فقط على الرئيس سلام الذي يمتلك معطيات كثيرة نتيجة اتصالاته ومتابعاته، بل تشمل القوى السياسية على اختلافها، لكن البعض من هذه القوى يتعامل مع هذه المعطيات بشكل سطحي و«خفيف» انطلاقاً من محاولة استغلال ما جرى وما يجري، لتسجيل نقاط على «حزب الله» من خلال إعادة التصويب على مشاركته في القتال في سوريا، وهو بالاساس موقف إقليمي وخليجي تحديداً.
وفي هذا الصدد، تسجل جهات سياسية متابعة نقاطاً عدة يجب الانطلاق منها لتحديد طبيعة وحقيقة خطر ما يجري، ليصار الى تحديد طريقة التعامل معها بجدية. فما جرى في جرود عرسال بداية ثم في جرود بريتال امتداداً الى جرود القلمون المتداخلة مع جرود البقاع الشمالي، هو امتداد لمحاولات رسم خريطة جديدة لبلاد الشام، برعاية تنظيم «داعش» وأخواته، حدودها من العراق الى شمال سوريا وشرقها، وصولاً الى تخوم لبنان.
والخطير في هذه الخريطة انها تُرسم أيضاً بأقلام اسرائيلية من جنوب سوريا في القنيطرة وجبل الشيخ وامتدادها الى حدود لبنان الجنوبية ـ الشرقية في منطقة العرقوب، وهو الامر الذي فرض على الحكومة وعلى المقاومة اتخاذ تدابير احترازية عالية المستوى. ومن هنا كان احد اهداف عملية المقاومة، بتفجير عبوة ناسفة بدورية للاحتلال الاسرائيلي في مزارع شبعا، هو إيصال رسالة وموقف بأنه ممنوع تجاوز الخطوط المرسومة جغرافياً وسياسياً لحدود لبنان، لا من قبل إسرائيل ولا من قبل «داعش وأخواته»، وليس فقط إرسال رسالة مفادها انه ممنوع تغيير قواعد الاشتباك في لبنان، من اشتباك بين المقاومة وجيش الاحتلال الى اشتباك بين المقاومة والجيش من جهة وبين التنظيمات الارهابية من جهة اخرى.
وثمة ممنوعات أخرى تفرضها المقاومة، تارة بالموقف السياسي وطوراً بالعمل الميداني، لمنع شمول هذه الخريطة لبنان ولمنع تغيير قواعد اللعبة والاشتباك، ومنها: ممنوع امتداد «الشريط الحدودي الاسرائيلي ـ الارهابي» المفترض إقامته من الجولان وسفوح جبل الشيخ، الى تخوم لبنان. ممنوع تجاوز الإرهابيين جرود القلمون الى جرود لبنان القريبة من القرى البقاعية اللبنانية. وممنوع تصعيد العمل العدواني الإسرائيلي اليومي ضد قرى الجنوب اللبناني وأهله من الناقورة الى شبعا. وممنوع العبث بالأمن الوطني بشكل عام.
هذه الخلاصة التي يصوغها «حزب الله» بدم مقاوميه، من الناقورة الى شبعا والقلمون وجرود بريتال، هي التي يستند اليها في تعامله مع التطورات المحلية والاقليمية، بحسب مصدر وزاري في الحزب، من دون أن يلتفت الى الخفة والخلفيات المحلية الضيقة التي يتعاطى بها الفريق الآخر مع الموضوع، وهي التي ستظل تحكم مواقفه من كل المستجدات الأمنية والسياسية مهما كبرت أو صغرت.