Site icon IMLebanon

إتفاق القوات – الوطني الحر فصل جديد في تاريخ السياسة المارونية في لبنان

إتفاق القوات – الوطني الحر فصل جديد في تاريخ السياسة المارونية في لبنان

الرابع عشر والثامن من آذار في مهب الريح وجوهر المكتسبات الوطنية

لإغتيال الرئيس الحريري معرّضة للخطر

عادت العلاقات المارونية – المارونية أمس بفعل الاتفاق بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الى المربع الأول، وصار قسم من موارنة الجبل والمحسوبين على القوات اللبنانية في ميل ورئيس تيار المردة ومعه قسم كبير من موارنة ومسيحيي الشمال في ميل، وقسم من الموارنة والمسيحيين من كتائب وأحرار بين بين.

لا شيء جديد بالمطلق ولا شيء طارئ بالمطلق ،بل ثمة مشاهد مالوفة وتقاسما سبق ان حصل في لبنان، أما الأكيد فان الملف الرئاسي ليس الاستحقاق الأبرز والوحيد الذي يقف وراء هذا التغيّر الداهم في العلاقات المسيحية، وقد أمكن لهذا التلاقي المستجد أن يجيّش في غضون الأشهر الماضية ما تيسّر له من المشاعر المارونية وأن تصطف معه الميول السياسية تحت شعار رفض دور الآخر في تحديد وجهة الاستحقاق الرئاسي، وهنا ثمة حسابات دقيقة لا ينبغي على أي فريق تجاوزها.

حكما الاستحقاق الرئاسي ليس وحده الهدف من كل ما حصل، بل هو الصراع الماروني الأكثر حماوة في تاريخ لبنان على القوة والحضور والنفوذ في شارع ييحث أكثر من أي وقت مضى عن دور الريادة أو القيادة السياسية بعد ما بدا الحضور المسيحي مستهدفا أقلّه كما عكست سنوات حرب سوريا والعراق وولادة داعش وما حصل في مصر. لذلك القضية أبعد من قضية انتخابات رئاسية وأبعد من حلف جديد احرق الأوراق السوداء.

أما السؤال الأبرز المطروح اليوم فيرتبط ارتباطا وثيقا بمستقبل الصيغة الحالية لقوى الثامن والرابع عشر من آذار وبمدى قدرة حزب الله على صيانة الخلل الكبير الذي قام بين أركان مكونات التحالف الذي يرعاه.

وإذا كانت الأزمة كبيرة ومستفحلة في صفوف الفريقين أساسا وقد عمد كثيرون الى إعلان نعي هنا وموت سريري هناك، فلا يعرف مدى قدرة صيغة السين – سين (سعد وسمير) التي لا تحرق ولا تغرق فعلا على إبقاء الصيغة أو حتى التواصل، فيما يبدو فريق الثامن من آذار معنيا أكثر من أي وقت مضى بالبحث في الصيغة التي ستحكم علاقة السين – ميم (سليمان وميشال)؟ كما علاقة النون – ميم (نبيه وميشال). وهل تتسع رقعة هذا الانفعال السياسي القائم على أساس السباق الى بعبدا والى النفوذ في البلد أم تثبت أقلّه الائتلافات الضرورية لكبح جماح التقسيم السياسي أكثر فأكثر واستدراك انتقال التباين الى القواعد الشعبية وهذا أمر دقيق للغاية وبالغ التعقيد؟

هنا يحتاج حزب الله قبل الاستحقاق الرئاسي فيما لو كان سيحصل، إذ لا تزال تشكك بعض القوى باحتمال إجراء الانتخابات الرئاسية أو التوجه الى المجلس ويحمّل فريق معين حزب الله مسؤولية افتراضية بعدم توفير النصاب وغياب النواب العونيين عن المجلس في أول جلسة مرتقبة في حال بقيت حظوظ العماد عون ضعيفة، يحتاج حزب الله في هذه الحالة لاسترداد المبادرة وحسم الجدل والنقاش وصولا الى لجم التدهور القائم حاليا بين حلفائه وهو الوحيد القادر على ذلك.

في الواقع، برزت أمس مؤشرات مهمة لا لمجرد البحث في الانقسام النيابي الذي سينتج انتخابا للرئيس العتيد، بل برزت معطيات ذات صلة بمستقبل العلاقات المسيحية – المسيحية والمارونية – المارونية وحتى الإسلامية – المسيحية بالمعنى السياسي وعكس التحالف المستجد احتمال ولادة تحالفات قد تعيد خلط الأوراق وإعادة رسم الخريطة السياسية اللبنانية على أساس طائفي الى جانب التوزيع المذهبي القائم حاليا، وذلك خلافا لما عرفه لبنان منذ العام 2005.

هنا ينبغي على الفرقاء خاصة في قوى الرابع عشر من آذار أن يقدروا على الحفاظ على الصيغة المهمة التي نتجت عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري وجمعت الناس تحت الراية اللبنانية في ظاهرة لم يتمكن لا اتفاق الطائف ولا كل الأداء من تحقيقه بعد الحرب اللبنانية، اليوم المسؤولية كبيرة في الحفاظ على تلك الصيغة والحؤول دون تصدّعها إذ ان تفكك الروابط التي نشات بين الحشود والقواعد الشعبية واستمرت على مدى السنوات العشر الماضية تحتاج الى ما هو أكبر من شعار لا تحرق ولا تغرق والى ما هو أكبر من فرمانات سياسية وصور تجمع أقطاب التيارات هنا أو هناك في الداخل أو الخارج.

أمس قبل وخلال الإعلان السياسي الحدث عن ترشيح القوات اللبنانية للعماد ميشال عون كانت النفوس تشحن سلبا حتى في بعض الأوساط والمجتمعات ذات اللون الواحد مما يرتب على الجميع مسؤولية كبيرة وتاريخية في الوقت عينه.

فصل من تطوّرات قبل وبعد الطائف

وفي عودة الى الوراء، والى ما قبل الطائف كانت الأوراق موزعة على طاولة اللعب اللبنانية بشكل متشابه ضمنا وذلك قبل أن تتفكك بعض الجبهات ويخرج الرئيس أمين الجميل من بعبدا ويدخل العماد ميشال عون في مواجهة مع القوات اللبنانية ومع كل مكوّنات الجبهة الوطنية تحت عنوان الطريق الى بعبدا.

كان الرئيس كميل شمعون العام 1987 يلتقي في الآراء في ظل تلك الأزمة التي أدّت الى استقالة الرئيس رشيد كرامي رحمه الله، مع سمير جعجع ، في حين كان الرئيس أمين الجميل يسعى الى تمديد لولايته سوّقه مع دمشق ومع المملكة العربية السعودية الا انه أخفق في ذلك واضطر لمغادرة بعبدا مفوضا مهام الرئاسة الى حكومة عسكرية برئاسة العماد عون الذي سعى الى الكرسي الأول بحرب انتهت برحيله الى العاصمة الفرنسية ثم بجولات سياسية أسست له من المنفى تيارا عريضا اختلف مع الجميع من البطريركية المارونية الى القوات فسوريا الى الكتائب ثم قبل ذلك وبعده رفض مضمون اتفاق الطائف وهجاه مرارا وتكرارا.

كانت المنطقة تعيش على وقع خلاف اقليمي حاد بين إيران والخليج العربي وبين إيران والعراق، وكانت الأوضاع في الأرض المحتلة تستقطب أحاديث الموفدين الاميركيين والسوفيات، وكان لبنان وفراغه الرئاسي ينتظر الفرج بين كل هذه الحروب.

أمس كان لا بد من استحضار تلك الجولات السياسية وحتى الأمنية الخطرة التي واكبت الفراغ الرئاسي وحتى الحكومي وذلك الضياع الذي قسم لبنان بين قرارين، واحد من بعبدا وواحد من الصنائع.

وقتها شارك الرئيس سليمان فرنجية «الجد» الجبهة الوطنية التوجه والآراء وكانت خطوط اتصاله مع بكفيا مفتوحة حتى في عز الأزمة، فقبل اغتيال كرامي، وفي التاسع من أيار 1987 استقبل فرنجية في اهدن الرئيس أمين الجميل المختلف جدا وقتها مع الرئيس كرامي، في حين توجه الرئيس حسين الحسين الى سوريا، وقد حمل الرئيس الحسيني مشروع حوار مصغّر على قياس الحكومة برئاسة رئيس الجمهورية.

اعتبرت زيارة الجميل الى زغرتا مفاجاة تجاوزت حدود المقاطعة، وبحسب المداولات وما تسرّب عن جلسة الرئيسين الجميل – فرنجية فان اللقاء بحث مرحلة ما بعد استقالة الرئيس كرامي، ووفق ما كتب الزميل صفوح منجد في عدد «اللــواء» الصادر صباح الأحد 10 أيار 1987 فان النقاش حرص على عدم القفز في المجهول وتدارك الانعكاسات التي قد تطرأ في حال القيام بأي خطوة وسط التشنجات القائمة. كما عرض الجانبان قضية مفاوضات دمشق في ضوء ما سبق وان توصلت إليه المحادثات.

حضرت ملائكة الرئيس كرامي ولكنه لم يحضر. انتهت قمة زغرتا المارونية، ولم يعلن فعليا على ما اتفق الخصمان اللدودان. والأكيد ان الجميل الذي كانت أموره تتعفّد مع السوري ربما أراد احداث خرق في الجمود فاستعان بفرنجية صديق السوري الموثوق، وقد فهم وقتها ان فرنجية أسدى نصائح بالجملة للجميل، ومنها تغيير وجوه كان يوليها مهمة التواصل مع القيادة السورية.

اغتيل رشيد كرامي وعجزت حكومة الرئيس سليم الحص بالوكالة عن اخراج لبنان من الأزمة الاقتصادية المستفحلة التي كانت تعصف بالبلد، وبعد ذلك بقليل لاحت بوادر الاتفاق على إنهاء الحرب في العراق، فظهرت بنود اتفاق الطائف (الوفاق الوطني) موفرة الشراكة الوطنية التي تكفل انسجام الكل في تحديد الخيارات والتوجهات وانتخاب الرؤساء وتسمية رؤساء الحكومات وحتى توصيف رئيس الحكومة على انه وزير ممتاز ودوره في اتخاذ القرارات الحكومية.

انتقل لبنان بصعوبة الى عهد إلياس الهراوي وقد كلّف لبنان غاليا ذلك الانتقال عشرات الشهداء وأبرزهم الرئيس رينيه معوض، بعد سنوات قليلة من استشهاد الرئيس رشيد كرامي في خلال نفس الأزمة السياسية الحادّة ببُعديها الاقليمي والداخلي.

ميشال عون وسليمان فرنجية

واليوم وبعد أيام قليلة على سريان الاتفاق الحدث بين حليفي الأمس خصمي المارونية السياسية اللدودين تنحصر اللعبة أكثر بكل معاييرها وأوراقها السياسية المحلية والاقليمية، فمرشح القوات اللبنانية للاستحقاق الرئاسي النائب العماد عون بات في موقع المرشح القوي مارونيا والأكثر شعبية مسيحيا، لكنه المرشح الذي يحتاج الى المزيد من الحظوظ كي يصل الى بعبدا، وبات أيضا العماد عون المرشح الأكثر حاجة الى التوافق في حين ان معظم القوى على الساحة اللبنانية والتي تشكّل التنوّع الطائفي والسياسي باتت في مقلب آخر لا يؤيد وصول عون الى الرئاسة من تيار المستقبل الى تيار العزم ومعه النائب محمد الصفدي الى حركة أمل فالكتائب وربما جزء من الأرمن وصولا الى جبهة النضال الوطني فالمستقلين الموارنة فغيرهم.

هنا الاستحقاق برمّته يعكس صورة جديدة إذ ان الدكتور سمير جعجع تحوّل بفعل الاتفاق والنص والترشيح الى الوريث الفعلي للحالة العونية، كما تقدّم بفعل الخطوة السياسية الهامة على العماد ميشال عون نفسه، واليوم صار لا العماد عون في مواجهة فرنجية بل صار الحكيم في مواجهة البيك وثمة فصل جديد فتح في تاريخ السياسة المارونية في لبنان.