التمديد للمجلس حتى العام 2017 يُقفل الباب أمام الإستحقاق الرئاسي خلافاً للرغبات
«القوات» و«التيار الوطني الحر» يتساويان في تحمّل مسؤولية تعطيل الإنتخابات الرئاسية
مجلس النواب، بالتمديد لنفسه، ضرب الديمقراطية بالعمق، وتجاوز صلاحياته، وفرض ديكتاتوريته على الشعب اللبناني كله..
أكثر من ثلثي مجلس النواب، اجتمعوا في ساحة النجمة وصوّتوا نعم برفع الأصابع للتمديد لهم مرة ثانية سنتين وسبعة أشهر بالتمام والكمال غير عابئين لا بالدستور الذي ينص بوضوح على أن ولاية مجلس النواب أربع سنوات غير قابلة للتجديد أو للتمديد إلا في الحالات القاهرة حيث يستحيل إجراء الانتخابات ولا بأصوات المجتمع المدني المحتشد في الساحات المحيطة بمجلس النواب اعتراضاً على استغفال الشعب وسلطته ووكالته التي لا تمدّد ولا تقصّر.
وعندما اطمأن سعادة النواب الى استمرار تربعهم على قلب الشعب اللبناني سنتين وسبعة أشهر إضافية أو جديدة، وحانت فرصة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تفرّقوا وإفرنقعوا وغادروا القاعة أفراداً وجماعات من الأبواب والنوافذ تعبيراً عن رفضهم انتخاب رئيس الجمهورية إما لأنهم لم يتلقوا بعد كلمة السر من الجهات الخارجية، إقليمية ودولية، وإما لأن قياداتهم التي تؤمّن لهم المقعد النيابي لم تحصل بعد على ثمن موافقتها على انتخاب رئيس للجمهورية، وما زالت تنتظر حصولها على هذا الثمن.
النقاشات التي حصلت في مجلس النواب حول الأسباب التي أملت على البعض التصويت للتمديد كانت كلها غير مقنعة لأكثرية الشعب اللبناني لأنها ركزت على نقطة واحدة هي تجنّب الوقوع في الفراغ الذي يؤدي حتماً الى تقويض النظام والذهاب نحو المجهول، علماً بأنه كان بإمكان النواب بدلاً من التصويت بنعم للتمديد أن يعدّلوا المهل بعض الوقت بما يتيح إجراء الانتخابات أو يصوّتوا على قانون تمديد تقني لمدة محدودة من الزمن تكون كافية لإجراء الانتخابات في ظل ظروف هادئة ومريحة هذا من جهة، ومن جهة ثانية تكون خلال هذه المدة قد انجلت التطورات التي تعيشها المنطقة، وتظهر معه صورة العلاقات الأميركية – الإيرانية هبوطاً أو صعوداً على اعتبار أن البعض يربط الانتخابات الرئاسية في لبنان بتطور العلاقات الأميركية – الإيرانية سلباً أو إيجاباً في موضوع الملف النووي الإيراني، لكن سعادتهم مضوا في تعنتهم على ضمان مصالحهم والحصانة النيابية بكل ما لها من امتيازات تجعل الحصول على المال أمراً سهلاً، ولم يأخذوا موقف الشعب اللبناني الرافض للتمديد بمعنى التخلي عن حقه الدستوري والطبيعي بتمديد مدة التوكيل والداعي الى إجراء الانتخابات حرصاً على سلامة النظام الديمقراطي والدستور ووثيقة الوفاق الوطني.
إن مجلس النواب بالتمديد لنفسه لا يكون قد ضرب الديمقراطية بالعمق، بل تجاوز صلاحياته وفرض ديكتاتوريته على الشعب اللبناني كله وعلى المسيحيين خصوصاً الذين كانوا ينتظرون من قياداتهم بدلاً من أن يبرروا مواقفهم بالحفاظ على الجمهورية أن يرفضوا التمديد وإعطاء الميثاقية له وبذلك يبقوا منسجمين مع أنفسهم ومع الشعب المسيحي واللبناني الذي أولاهم ثقته. أما الذين قاطعوا الجلسة بحجة أنهم يرفضون التمديد كان الأجدى بهم أن لا يقاطعوا وأن يحضروا وينتخبوا رئيساً للجمهورية بما يوفر عليهم عناء المقاطعة ويمنحهم براءة المساهمة الحقيقية في إنقاذ الجمهورية التي يخافون عليها من الانهيار نتيجة ممارسات القيادات المسيحية الخاطئة والتي تهدف للمحافظة على مكاسبها ومصالحها بمعزل عن مكاسب ومصالح الطائفة المسيحية التي يتربعون على عرشها ويدّعون الدفاع عنها وعن مصالحها.
وتكشف الوقائع أن المسؤولية في إطالة عمر الفراغ في رئاسة الجمهورية صار يتقاسمها حزب القوات والتيار الوطني الحر بسبب موافقة الأول على التمديد، باعتبار أن التمديد للمجلس الذي لا يجتمع ولا يشرّع ولا يبادر الى انتخاب رئيس للجمهورية، أراح النواب، وقد يشكّل عائقاً يحول دون انتخاب رئيس للجمهورية حتى منتصف العام 2017، موعد انتهاء الولاية الممددة لمجلس النواب، وتتحوّل الهواجس التي تنتاب المسيحيين بسبب خلو سدة الرئاسة الى حقيقة ثابتة.