Site icon IMLebanon

القوات و«المستقلون»: هاجس الانتخابات قبل القانون

السجال الذي فتح أخيراً بين القوات اللبنانية وبعض النواب المستقلين بدا كأنه ابن ساعته. لكن للفريقين حسابات مختلفة، خلفيتها تحديد الأحجام الانتخابية وكأن الانتخابات على الأبواب

السجال المبطن والمباشر بين القوات اللبنانية والنواب المسيحيين المستقلين، لم تنته فصوله، ولا يتوقع أن يطوى قريباً. هو يوحي كأن الانتخابات النيابية على الأبواب، وأن ما يجري هو لشد العصب الانتخابي، حتى قبل أن يناقش قانون الانتخاب ويوضع جدياً على الطاولة.

منذ أن وضع جدول أعمال الجلسة التشريعية، تحول قانون الانتخاب محور الكباش السياسي. كل القوى السياسية خائفة من فقدان حصصها، فالمستقبل لا يريد أن يفرّط بالمقاعد التي حصل عليها عام 2009، ولا سيما المسيحية منها، ويريد وفق ذلك إعادة العمل بقانون 1960 مثله مثل النائب وليد جنبلاط. ولا يريد حزب الله والرئيس نبيه بري الواثقين من متانة وضعهما الشعبي، للآخرين، حتى من أقرب حلفائهما، زيادة مقاعدهم النيابية وتحصين وضعيتهم السياسية. ورغم الأعداد الكثيرة لمشاريع القوانين الانتخابية المتراكمة منذ سنوات، وأنه لا شيء يوحي بإمكان أن تنتج اللجنة النيابية الخاصة اتفاقاً على قانون للانتخاب، كما أنه لا أمل بإجراء انتخابات نيابية في الأمد القريب، إلا أن في خلفية ما يجري حالياً، هاجس تحصين الكتل النيابية بمضاعفة المقاعد.

عون وجعجع هما اللذان يناقشان اليوم قانون الانتخاب الذي سيشكّل المجلس الجديد

من هنا، يمكن مقاربة ما يجري مسيحياً، حين تبدأ النقاشات حول الأحجام والأدوار والتمثيل، من خارج السياق العام للأحداث. ففيما يفتش المستقبل وحزب الله عن حوار ثنائي يخترعان له ألف سبب وسبب، تذهب القوى المسيحية الى تفاهمات وإعلان نيات من جهة، ومن جهة أخرى الى سجال حول أحجام المسيحيين الخارجين عن هذه الثنائية التي تحكم المسيحيين منذ ما قبل التسعينيات.

بدأت المشكلة مع اعتبار الرئيس نبيه بري أن الميثاقية مؤمنة في الجلسة التشريعية في ظل مشاركة عدد من النواب المسيحيين الذين تظهر نتائج انتخابات عام 2009 بأي أصوات وصلوا الى البرلمان، وحجم تمثيلهم المناطقي المحدود، في مقابل تغييب الأحزاب المسيحية الثلاثة، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب التي تمثل عصب الشارع المسيحي. وافق المسيحيون الذين يدورون في فلك المستقبل أو ينتمون إليه على الحضور، بحجة تمثيلهم المسيحيين، وبأن القوات لم تتشاور معهم في معارضتها الجلسة، علماً بأن الاتصالات استمرت بين القوات وبعض النواب المسيحيين، سواء هاتفياً أم عبر الاجتماعات التنسيقية التي كانت تتم دورياً في بيت الوسط بين كل مكونات 14 آذار. بقي كل طرف على موقفه، واتخذ السجال أساليب مختلفة مع محاولة نواب رفع شأن حضورهم ودورهم الى حجم التلويح باستعدادهم لمواجهة القوات في أكثر من محطة رئاسية أو نيابية أو نقابية، علماً بأنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها بعض النواب، ولا سيما الذين أتوا بتحالفات معروفة عام 2005 و2009، التعامل مع القوى المسيحية الأساسية من الند للند.

لم تكشف المعركة حول الجلسة التشريعية بين جعجع والمستقلين جديداً عن العلاقات بين مكونات قوى 14 آذار، إذ إنها ليست المرة الأولى التي يظهر فيها جعجع تمايزه بقراره عن حلفائه أو عن المسيحيين الذين ينتمون الى المستقبل. فمسيحيو تيار المستقبل يمثلون المستقبل، وإن تحالف معهم في انتخابات عام 2009. والمسيحيون المستقلون، وإن كانوا قلة، يجب أن يكونوا ضمن الاصطفاف المسيحي الحالي، إما مع وإما ضد، علماً بأن من بين أسماء النواب الذين تم تداولهم في إطار العلاقة القواتية مع المستقلين، بإمكان النائب بطرس حرب وحده، كبرلماني له حيثيته منذ السبعينيات، أن يعدّ في خانة المستقلين من خارج التيارات التي بنيت قبل 2005 وبعدها، على عكس النائبين فريد مكاري وهادي حبيش.

وقد يكون حرب وحبيش من أكثر الذين دافعوا عن قانون استعادة الجنسية في الجلسات التي عقدت مع نواب المستقبل ونواب القوات والتيار الوطني الحر، ووقفا إلى جانب القوى المسيحية التي أعدت القانون، ودفعا في اتجاه إقراره. وقد يكون النائب فريد مكاري انحاز إلى جعجع أكثر من مرة وكان ينقل رسائل عدة منه، وآخرها حول التعيينات الأمنية وما نقله عنه حول العميد شامل روكز. لكن الموافقة على مشروع استعادة الجنسية الذي يخص المسيحيين جميعهم، وليس القوات وحدها، أمر، ومجرد قرار النزول الى ساحة النجمة، في وجه القوى المسيحية التي تمثل بحسب الأرقام غالبية المسيحيين، قبل نضوج التسوية الكبرى، أمر آخر.

هل استعجل جعجع معركة مع «المستقلين»، أم أن هؤلاء دفعوا في اتجاه رفض تسوية تنزل من علٍ، فذهبوا في اتجاه معركة تحدّ، بدايتها مع انتخابات نقابة المحامين (وما يصرحون به ضد جعجع دورياً) وقد تشق طريقها الى الانتخابات البلدية التي يمكن أن تجرى العام المقبل، علماً بأن النواب الثلاثة لهم حضورهم المتفاوت وبأحجام مختلفة في دوائر عكار والكورة والبترون، حيث تعزز القوات حضورها شمالياً وتطمح لأن تكون لها حصة نيابية وبلدية وازنة، علماً بأن انتخابات القبيات البلدية الأخيرة شاهدة على التوازنات والأحجام التمثيلية لكل من خاضها من نواب وفاعليات.

هل وحدها ورقة إعلان النيات مع عون هي التي سمحت بهذا الانشقاق داخل صفوف قوى 14 آذار، وهل يمكن عزل كلام نواب محسوبين على المستقبل أو منتمين إليه، عن التيار نفسه. قد يكون موقع جعجع الجديد بعد ورقة إعلان النيات وبعدما تمكن من فرضه وعون أمراً واقعاً على طريق عقد جلسة تشريعية بتسوية مع القوتين المسيحيتين الأساسيتين، يسمح له أن يفتح هامشاً انتخابياً في توقيت يراه البعض خاطئاً. وقد يكون للنواب المسيحيين الذين يحاولون فرض إيقاعهم الخاص على الأحزاب المسيحية رأي مختلف من ثنائية تعيد المسيحيين الى تركيبة تركت ما تركته من آثار على الواقع المسيحي، علماً بأنهم في النهاية سيكونون ملتزمين بقرارات كتلهم السياسية الحالية. المشكلة أن هناك من يرفض أن يعترف بأن العماد ميشال عون وجعجع أعلنا ورقة مصالحة، وأن الأرقام في صندوق الاقتراع هي التي ستحكم. وفي انتظار الانتخابات المقبلة، سيكون لجعجع، ولعون أيضاً، حسابات مختلفة مع المستقلين.

يبقى سؤالان على هامش هذا السجال: هل من الضروري أن نذكر أين أصبحت أفضل تجربة مسيحية ــــ «قرنة شهوان» ــــ بعد خروج جعجع من السجن وعودة عون من المنفى؟ وهل ينسى المستقلون أن عون وجعجع هما اللذان يناقشان اليوم معاً، ومن ثم مع المستقبل وحزب الله وبري، قانون الانتخاب الذي على أساسه يتقرر شكل المجلس الجديد وأسماء نوابه؟