إنتهت ولايةُ المجلس الدستوري الحالي عام 2015، وتعذّر تشكيل مجلس بديل، حتى اتّخذت الحكومة القرار عام 2018 بتشكيل مجلس دستوري جديد. عندما فُتح بابُ الترشح، تقدّم عدد من المرشحين عن كل الطوائف إلّا طائفة الروم الأرثوذكس التي تقدم عنها مرشحان لمقعدين، أحدهما وزير العدل الحالي القاضي المتقاعد ألبرت سرحان. مع تشكيل الحكومة الحالية، سُمّي المرشّح «البرت سرحان» وزيراً للعدل، وبذلك لم يتبقَّ إلّا مرشح واحد لمقعدين إثنين، ممّا إضطر مجلس النواب إلى إصدار قانون معجّل مكرَّر بفتح باب الترشيح مجدداً.
بلغ عدد المرشحين تسعة وخمسين مرشحاً لعشرة مقاعد، موزّعة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وصدر القرار بمباشرة تشكيل المجلس الدستوري. فاختار الرئيس الحريري مرشحي السنّة، والثنائي الشيعي مرشحي الشيعة، ووليد جنبلاط المرشح الدرزي. فيما يحاول «التيار الوطني الحر» الإستئثارَ بالمقاعد المسيحية الخمسة.
عقد اجتماع الخمس ساعات بين الحريري وباسيل، بقصد الإتفاق على التعيينات. فاستدرك رئيس حزب «القوات اللبنانية» سميرجعجع ما يحضَّر له، فقصد الحريري وأعلمه أنّ من حق «القوات» أن تتمثل في المجلس الدستوري، فوافقه الحريري الرأي، مستفسراً عن الإسم المقترح فسمّى له المحامي سعيد مالك عن أحد المقاعد المارونية، وأوضح أنّ مالك ليس منتسباً ولا محازباً، إنما كفاءته وإلمامه في القانون الدستوري هو ما دفع «القوات» إلى تبنّي ترشيحه. علماً أنّ مالك ترشح منفرداً ومستقلّاً دون أيِّ دعم حزبي.
نقل غطاس خوري الإسم إلى «التيار» الذي وافق عليه دون تحفّظ، خصوصاً أنّ الإسمَ المقترح غير محسوب على أيِّ فريق.
تواصلت «القوات» مع الرئيس بري الذي وافق على إدراج اسم مالك ضمن اللائحة التي سينتخبها المجلس النيابي. وبالتالي، وافق كل من الحريري وبري و«التيار» على طلب «القوات» إنتخابَ مالك في مجلس النواب.
برّي يتعهّد
مساء الإثنين الذي سبق جلسة الإنتخاب في مجلس النواب، تسلّم الرئيس بري اللائحة التي يرغب رئيس الجمهورية في إنتخابها في المجلس النيابي، وتضمّنت إسم القاضي المتقاعد طنوس مشلب عن الموارنة. وسُئل موفد رئيس الجمهورية الوزير سليم جريصاتي لدى خروجه من دارة الرئيس بري عن مصير إنتخاب مرشح «القوات»، فأجاب أنه سيعيَّن في مجلس الوزراء. وعن سبب إمرار إسم القاضي مشلب بدلاً من إسم المحامي مالك، قال إنّ مشلب سيكون رئيساً للمجلس الدستوري. وبالتالي ، يجب أن ينتخبَه مجلس النواب ولا يعيَّن في مجلس الوزراء (علماً أنّ الرئيس الحالي عصام سليمان عيّنه مجلس الوزراء).
أدركت «القوات» أنّ التعهّدات التي قُطعت لها «مأزومة»، فأرسلت صباح الثلثاء (قبل يوم واحد من جلسة الإنتخاب) نائبَ رئيس الحزب النائب جورج عدوان إلى الرئيس بري، للإستيضاح.
أبلغ بري الى عدوان أنّ رئيس الجمهورية يرغب في إمرار إسم مشلب في مجلس النواب، وأنه لا يستطيع انتخابَ مارونيَّين في مجلس النواب، حفاظاً على الميثاقية.
صارح عدوان بري بمخاوف «القوات» وهواجسها من أنّ «التيار الوطني الحر» يحاول إقصاءَها عن المجلس الدستوري. فتعهّد برّي بأن يعيّن مرشح «القوات» الماروني في مجلس الوزراء، ملتمّساً من نواب «القوات» حضورَ جلسة الإنتخاب والاقتراع لمصلحة اللائحة.
نقل عدوان إلى جعجع مجريات اللقاء ومضمون التعهّد، لكنّ جعجع عاد وأرسل الوزيرملحم رياشي إلى بري، فكرّر الأخير تعهّده أمام رياشي بتعيين مالك في مجلس الوزراء. وتواصل جعجع مع الحريري، فتعهّد له أيضاً بتعيين مرشح «القوات».
ونتيجةً لهذه الالتزامات والتعهّدات، قرّر جعجع المشاركة في جلسة الإنتخاب والاقتراع لمصلحة اللائحة، موعزاً لنواب «القوات» بالأمر.
وتردّد أوساط «القوات» أنّه لولا مشاركتها (15 نائباً) في جلسة الإنتخاب والاقتراع لمصلحة اللائحة التي أعدّها الرئيس بري، لما كان قد توافر نصاب جلسة الإنتخاب (65 نائباً) ولا نصاب التصويت. ويكفي حسم عدد نواب «القوات» الذين حضروا جلسة الإنتخاب، حتى يتأكد المعنيون ممّا تقدم. علماً أنها لم تكن لتشارك في الجلسة لولا تعهّد الرئيسين بري والحريري.
وما أن إنتهت جلسة الإنتخاب، ومن على باب مجلس النواب، سُئل الوزير جريصاتي عن موعد تعيين مرشح «القوات» في مجلس الوزراء، فأجاب: «ومَن قال إنّ اتفاقاً جرى على ذلك؟ ومَن وعد فليفِ من كيسه….» اليوم ونحن على بعد خطوة من تعيين مجلس الوزراء حصته في المجلس الدستوري، تتساءل مصادر قواتية «هل تُقصى «القوات» من حقّ المشاركة؟»
في المعلومات أنّ «التيّار» سلّم أنّ من حق «القوات» أن تتمثل بعضو، ولكنه فرض عليها تسمية مرشح كاثوليكي أو أرثوذكسي، وليس مارونياً دون أيّ تبرير. وترد «القوات» أنّ نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة أظهرت تقدّماً قواتياً مارونياً على «التيار الحر»، كأصوات تفضيلية على مستوى لبنان.
رفضت «القوات» طرحَ التيّار وما زالت تصرّ على رفضها، كون المرشحين الكاثوليك والأرثوذكس غير محسوبين عليها، لا من قريب أو بعيد، بل دفعهم «التيار» إلى الترشح لتطويق «القوات»، بحسب رأي مصادرها، وبالتالي تسمية أحدهم سيكون وديعة للتيار لديها، أي مسمّى عليها وملتزماً بالفعل مع «التيار».
لذلك تتمسّك «القوات» بمرشحها الماروني، بسبب كفاءته وجدارته في الحقل الدستوري، وتقول إنّ عصام سليمان ذكّى إسمَ مالك أمام رئيس الجمهورية ، حين سؤاله عن أسماء أفضل المرشحين للمجلس الجديد.
السر أو المَنفذ؟
ثمّة من يبرّر تردُّد رئيس الجمهورية في القبول بمنح «القوات» المقعد الماروني الثاني، تخوّفاً من أن يترشح إلى موقع رئاسة المجلس الدستوري بعد ثلاث سنوات وفقاً للدستور… علماً أنّ هذا المبرِّر غير مقنع، لأنه في أسوأ الإحتمالات، يحتاج القاضي مشلب إلى أصوات خمسة أعضاء (كونه أكبر سنّاً) فيما المحامي مالك في حاجة إلى أصوات ستة أعضاء. فمن أين سيأتي بهم؟
ويُفسِّرُ خبراء قانونيون هذه المعادلة للجمهورية بالتوضيح أنّ معركة القاضي مشلب (في حال التسليم بحصول معركة) منطلقها أربعة أصوات مسيحية (المحسوبة على رئيس الجمهورية و«التيار الحر») وليست بحاجة إلّا إلى صوت مسلم واحد، لضمان التجديد له لولاية رئاسية ثانية. فيما مالك في حاجة إلى أصوات المسلمين الخمسة إضافة إلى صوته.
بالتالي، تسقط فرضيّة تلك المخاوف بحكم الأمر الواقع إلّا إذا كان الغرض هو إيجاد تبرير لحرمان «القوات» من حقها في المشاركة بحسب مصادرها.
«القوات» التزمت
تراهن «القوات» اليوم على تعهّد الرئيسين بري والحريري، وإلّا ستكون قد أُقصيت صراحة من حق التمثيل.
في الخلاصة ،القوات التزمت. ويُذكر أنّ «حزب الله» بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير، أقرّ بحقوق الجميع بالتمثل، بحيث لا يحق لأيِّ فريق الاستئثار بكامل الحصة المخصَّصة لطائفته أو مذهبه… فهل تُستثنى «القوات»؟ وماذا سيكون موقفها إذا تم الطعن بها في المجلس الدستوري؟