Site icon IMLebanon

«القوات»… عقدة الحكومة أم «العقدة الدائمة»؟

 

كان لدى أكثرية الأفرقاء منذ بداية «ملحمة الحكومة اللبنانية» التي امتدت 9 أشهر، تصوّر مفاده أنّ «القوات اللبنانية» ستكون المعرقل الأكبر لتأليفها. وما أكد هواجس البعض أنّ «القوات» بادرت الى افتتاح البازار الحكومي مطالبة بـ5 حقائب، في اعتبار أنها «مُستَحِقّة».

 

المفاجأة أتت من انتفاضة حلفاء «القوات» الجدد الرافضين الحسبة «القواتية» الجديدة، فاستعانوا بالحسبة المئوية لإحصاءات التمثيل المسيحي الجديدة وفق «حساباتهم» لنتائج الانتخابات النيابية.

 

وبين مد وجزر بين الحزبين المسيحيين الأبرزين على الساحة اللبنانية لتمثيل حجم الطائفة وتفعيل دورها «المفترض» داخل «حكومة العهد الأولى»، عادت الخلافات تطفو على خلفية أحقيّة الفريقين وحجم حصصهما حتى بات جدول الضرب والطرح والجمع يهدد بنسف «اتفاق معراب» ليس فقط سياساً بل وجدانيّاً الى حد ما، بعد تلمّس الخيبة «القواتية» من الوعود الموقّعة.

 

في المقابل راقبَ «الثنائي الشيعي» العراك المسيحي من دون الانضمام الى الحلبة، واكتفى بعض نوّابه بالاشادة بأداء وزراء «القوات» من دون أن يشاركوا في التحكيم في الحسبة الوزارية، فيما بَدت اهتمامات «حزب الله» في مكان آخر واكثر إقليمية، لكنّ ملائكته كانت حاضرة وجاهزة للتدخل حين تدعو الحاجة.

 

بعض المحللين القريبين من فريق 14 آذار صَوّبوا اصابع الاتهام الى «حزب الله» حصراً، معتبرين انه «المعرقل الحقيقي» للتأليف، وأنّ العقدة ليست عند «القوات اللبنانية».

 

توازياً، لجأ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد إصرار الوزير جبران باسيل على تحجيم حصة حقائب «القوات» الوزارية كمّاً ونوعية، فيما وجّهت «القوات» أصابع الاتهام الى باسيل موحِية بأنّ هدفه المبطّن هو إقصاؤها عن الحكومة الجديدة خوفاً من عرقلة عملها مستقبلاً، ومذكراً بأداء «القوات» في الحكومة السابقة و»عرقلتها» ملف الكهرباء.

 

وردت مصادر «القوات» حينها سبب إصرار باسيل على تحجيمها الى المفاجأة التي حققتها في نتائج الانتخابات النيابية، إذ لم يكن امامه سوى الاستحقاق الحكومي ليرد على هذه المفاجأة.

 

ويقول أنصار «التيار الوطني الحر» انه كان هناك تصور لباسيل يقول انّ «القوات» لن تُسهّل تأليف الحكومة، وقد لا تشارك فيها، وأنها لهذا السبب تضع شروطها وترفع سقف مطالبها.

 

لكنّ «القوات» عاكست التصور الباسيلي لأنّها مثلما بادرت الى المطالبة بادرت الى التنازل الذي وصل حد التضحيات.

 

تمالكت «القوات» أعصابها حين اتُهِمَت بالعرقلة، ولم يفقد جعجع «حكمته» وفقاً للمتابعين، مراهناً على ثقته بالرئيس سعد الحريري ومُحتمياً برئيس الجمهورية «بَي الكل»، الى درجة انه عندما طلب عون منه ان يكون نائب رئيس مجلس الوزراء من حصته لم يعترض ونزل عند رغبته.

 

وبعدما سلّم الحريري التشكيلة النهائية الى عون رافضاً إطلاع باسيل، الذي زاره قبل ساعات، على التعديلات الجديدة التي أُدخلت عليها بعدما رفض الحريري المساس بحصة «القوات»، تفاجأ جعجع باعتراض عون عليها أيضاً، وعلى ما قيل إنه تفاصيل. ومنذ ذلك الحين غاص البلد في تفاصيل التعطيل، واتهمت «القوات» بأنها «الشيطان الاكبر» وانها «المعرقل الاكبر».

 

تناوَب وزراء «القوات» ونوابها على التأكيد للجميع أنهم «سيضحّون ولن يستسلموا ولن يستقيلوا»، وقال بعض هؤلاء «انّ «القوات» تنازلت عن الوزير الخامس وتخَلّت عن الحقيبة السيادية، مؤكدة انها لن تكون العقبة في الإستحقاقات المصيرية، وأنها مثلما كانت العقدة والحل في الإستحقاق الرئاسي، ستكون أيضاً العقدة والحل في الإستحقاق الحكومي.

 

وتطبيقاً لقول جعجع: «ليس هناك من حقائب حقيرة بل هناك أناسٌ حقيرون» ارتضَت «القوات» بـ«النصيب» ليتركّز العراك الحكومي بين من تبقّى على الحلبة («التيار الوطني الحر» و«حزب الله» و«المستقبل»)، فيما العقدة الأساس تَظهّرت تباعاً ليتبين أنها سنّية – شيعيّة. إذ كان جعجع يؤكد دائماً أنّ العقدة هي محاولة تحجيم الطائفة السنّية في لبنان، وهو ما كان قاله لـ«الجمهورية»، لافتاً الى «أنّ هناك هدفاً واحداً لـ«حزب الله» من التعطيل، وهو إضعاف الطائفة السنية».

 

وبعيداً من محاضر الجلسات «الباسيلية ـ المستقبلية» مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي ومع «حزب الله» التي تكاثرت خلال 9 اشهر، إنتقل جعجع خلالها للعب دور «المراقب الصامت» والمحلّل للأحداث مُكتفياً ببعض التغريدات فبَدا بعيداً عن تفاصيل التسويات الحكومية وغادر الى الخارج، لكنه لم يُترَك ليرتاح بعدما استدعي على عجل الى بكركي وبدعوة «مُبطّنة» خَطّط لها «التيار الوطني الحر» لتمتين الحصّة المسيحية في الحكومة، إذ انّ باسيل عندما شعر أنّ الخناق عليه قد ضاق لجأ مجدّداً الى «القوات» والقوى المسيحية لدعم موقفه.

 

تجاوبت «القوات» والتزمت المصلحة المسيحية الكبرى، الّا أنّ مُفبركي التسوية الحكومية النهائية استسهَلوا استهداف الحقائب الوزارية القواتية أيضاً وأيضاً، فسارعَ الحريري الى الاستنجاد بـ»الحكيم» بعد طلب بري وزارة الثقافة بديلاً لوزارة البيئة التي آلت الى «التيار الوطني الحر».

 

وتقول مصادر «القوات» انّ «جعجع، وكالعادة، ضَحّى بحقيبة وزارية على قاعدة انّ «القوات» التي ضَحّت بآلاف الشهداء لأجل قيامة الوطن لن تبخل بالتضحية بحقيبة لأجل قيام حكومة إنقاذ للوطن».

 

زهرا: نحن الحل ولسنا العقدة

 

من جهته يؤكّد النائب السابق انطوان زهرا لـ«الجمهورية» أنّ «القوات لم تكن العقدة إطلاقاً، وتبيّن أنّ إطلاق صفة «العقدة»على «القوات» كان ستارة للعقدة الحقيقية التي تكمن في فريقين تحكّما باللعبة الحكومية، لكنّ «القوات» أثبتت انها «الحل» وليست العقدة».

 

وكان زهرا قد غرّد على «تويتر» بعد تأليف الحكومة قائلاً: «انّ التهويل بالتفعيل شرّع أبواب التشكيل، اما ابواب التشكيل فلا يمكن قراءتها من دون قراءة زيارة مساعد وزير الخزانة الاميركية بيلينغسلي وتزامنها مع إعلان الحكومة، إذ انه قال من السراي الحكومي:

 

«فَعّلوا الحكومة الحالية اذا كنتم غير قادرين على تفعيل حكومة جديدة»، وبالتالي فهم الحريري الرسالة وعاجَل اللبنانيين والمعرقلين قائلاً: «هذا أسبوع الحسم» إمّا تساعدوني بحسم مواقفكم فنؤلف الحكومة الجديدة وإمّا سأعقد اجتماعات لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل لتفعيل الحكومة وأقرّ الموازنة وإصلاحات مؤتمر «سيدر».

 

ويوضح زهرا «انّ المعنيين فهموا بعد زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية انّ الدلع اللبناني الحكومي لم يعد مقبولاً، لأنّ المجتمع الدولي لم يعد قادراً على تحمّل دلعنا، ولأنّ القيّمين على مقررات مؤتمر «سيدر» ما عادوا قادرين على انتظارنا».

 

ويرى زهرا «انّ الحريري يدرك انه مع «القوات» لن يُصدم بالعقد، وحين طلب من الحكيم المبادلة كرمى لعيون «أبو مصطفى» وليس فقط لحل العقدة الأخيرة في اللحظة الما قبل الأخيرة، كان جعجع إيجابيّاً كالعادة وقال للحريري: «اذا كانت فعلاً هذه عقدة فالحل بيديك»، وكأنّه يقول: «لك ما تريد… بس مَشّيها».

 

«فالأهم، حسب زهرا، هو الضغط الذي أنتجته نهاية المهلة التي لم يعودوا قادرين على تخطّيها، كذلك اختلفت مقاييس وضع الشروط التي لم تعد ملك أيديهم». ويضيف: «للمرّة الأولى منذ تولّيه مسؤوليات عامة يهوِّل سعد الحريري بالحل، فاستطاع و»طِلع بإيدو»، فكيف لو استعمل هذه الصلاحية دائماً؟».

 

وفي اختصار، يقول «قوّاتيون» انّ جعجع «أوصَل رسائل للحليف والخصم مفادها: اذا كنتم تعتقدون انكم تعيدون رمي الكرة الحكومية الى الخلف، ليبدأ فريق «القوات» شوطاً جديداً وطويلاً في الملعب الحكومي مُراهنين على نفاذ صبره وعدم قدرته على التضحية أكثر ممّا ضحى، وبالتالي سيتمنّع عن المبادلة ويبدو أنه المعطّل لأنّه طاب للبعض طعم التعطيل الحكومي، فجوابه لكم: «ما حزِرتو».