تُتَهم القوات اللبنانية بأنها لم تخرج من ماضيها. انتهت الحرب وحلّت الميليشيات وظلت القوات تحاسب على أنها «ميليشيات». لكن نتائج الانتخابات النيابية في السادس من أيار برهنت أن القوات تركت الجميع يتلهون بتاريخها وقررت أن تخطط للمستقبل. حال القوات كحال التلميذ المشاغب في المدرسة الذي لا يتوقع أحد له النجاح، وإذا به يفاجئ الجميع وينجح في الحياة العمليّة، ليس بالضرورة بسبب نجابته، بل بسبب تكاسل غيره ممن يعيشون على أمجاد علاماتهم المدرسية.
خطاب «شيطنة» القوات، وعلى عكس ما يخيّل للبعض، خدمها أكثر مما أضر بها، وهو ما أجادت القوات استثماره. لم تحتج القوات للهجوم في معظم الأحيان، بل لعبت اللعبة التي كانت تستخدم ضدها، أي محاسبة غيرها على أفعالهم أو قلة أفعالهم. الفرق أن القوات تحاسب بالإجمال على أفعالها منذ أكثر من ثلاثة عقود وهي تحاسبهم على أفعالهم في الوقت الراهن، وهنا لب القضية.
يراد طبع صورة القوات والحرب في الأذهان على أنهما صنوان لا يفترقان. طبعاً صورة القوات الحربية ليست وردية. لكنها كانت هناك حرب وما من حرب رومانسية وبلا فظاعات. لكن ما هو مبرر عجز من يحكم في زمن السلم؟
بالنسبة لكثير من الناخبين ما من فرق بين زمن الحرب وزمن السلم. المسألة لا تتعلق فقط بالأعمال العسكرية والقتل والدمار. هذا الجزء البشع من الحرب، لكن للحرب وتقهقر الدولة مظاهر أخرى كغياب الكهرباء، والنفايات المنتشرة في الشوارع، والمحسوبيات في الخدمات والتوظيف، والقضاء المسيّس والمرتهن للأحزاب والقوى السياسية، وهو ما حاولت القوات الإضاءة عليه من خلال حملتها الانتخابية. ركزت على هذه العناوين لتوصل رسالة بأن من يعايرها بماضيها الحربي، لا تختلف إدارته للأمور في زمن السلم عما آلت إليه أمور البلد في عصر الميليشيات.
القوات تبرجت. قد يقول البعض أن مضمونها لم يتبدل وبأن ما تنادي به والصورة التي تحاول عكسها ليست إلا عملية تجميل. ممكن. لكن القوات تريد نيل فرصتها. ولعل أبرز ما نجحت في إنجازه ليس في كسب مقاعد إضافية في مجلس النواب ولا ارتفاع التأييد الشعبي لها. مكسب القوات الحقيقي والفعلي يكمن في أنها انتقلت من التصويت السلبي إلى التصويت الإيجابي. بمعنى آخر، كان التصويت في السابق ولدى الكثير من الأفراد يصب ضد القوات ونكاية بها. أما يوم الأحد المنصرم، فإن الأصوات التي نالها مرشحو القوات اللبنانية كانت تعبر عن خيارات. الأمر ليس بسيطاً. يصعب تقبل من له سوابق في مجتمعاتنا. يبقى السجين السابق محكوماً اجتماعياً مهما علمه السجن وغيره. المفارقة أن القوات وعلى لسان سمير جعجع مساء الأحد فاخرت بمحكوميتها وبأن السجن للرجال ومع هذا فالناس تجاهلت المسألة وصوتت للوائحها ومرشحيها.
هل صارت القوات أحلى؟ لا يهم. الأكيد أنها تخطط للمستقبل وتريد للبعض أن يبقى أسير الماضي.