IMLebanon

المساعدات الخارجية.. رهن الإصلاح الداخلي!

يُشارك الرئيس تمام سلام في مؤتمر لندن، مسلَّحاً بملف مُثقَل بالأعباء المادّية التي آن الأوان للمجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته تجاهها، بعدما باتت قضية اللاجئين السوريين عبئاً على الدول الأوروبية وباتت معاناتها واقعاً أمام الرأي العام ضد سياسة فتح الأبواب لهم، على الرغم من أن الأعداد التي استقبلتها أوروبا وأميركا لا تُذكر مقارنةً مع ما يتحمّل لبنان في حجمه الصغير وإمكانياته الإقتصادية والمعيشية المحدودة لاستيعاب ما يوازي نصف عدد سكانه والبُنية التحتية المهترئة وفُرص العمل المعدومة، مما فتح الباب للمشاكل الإجتماعية الهجينة عن المجتمع اللبناني والأزمات الإقتصادية المستمرِّة.

إلّا أن تقديم الملف في مؤتمر لندن وحده لا يكفي، وعرض المشكلة على المجتمع الدولي ومطالبته بتحمّل مسؤولياته لا يمكن أن تُترجم بخطوات عملية على الأرض في حال غياب مؤسسات الدولة الشفّافة التي تعكس صدقية لبنان في المحافل الدولية. وللأسف، تجربة الوطن الصغير مع هذا النوع من الإستحقاقات لم تكن مُشجِّعة، إذ أن المساعدات أُقرَّت في مؤتمر الدول المانحة الذي عُقد بدورتين في الكويت، ولكن لم يُنفَّذ منه سوى 10 بالمئة، بسبب غياب مؤسسات الدولة والخُطط الواضحة لإيصال المساعدات إلى المخيّمات وليس إلى الجيوب كما جرت العادة. وإذا باللبنانيين أولاً والنازحين ثانياً يدفعون ثمن انعدام الثقة الدولية بأداء المؤسسات الحكومية.. ولولا نشاط المجتمع المدني، لكانت الكارثة الإجتماعية تضاعفت بآثار مُدمِّرة على بُنية المجتمع اللبناني وصحّة إقتصاده!.

واليوم، بعد مرور ما يُقارب العام على مؤتمر الدول المانحة الثاني، ومع تفاقم الأزمات الداخلية، لم تنجح الطبقة السياسية في إخراج المؤسسات من دوّامة التعطيل، وإعادة رأس الهرم إلى الدولة عبر انتخاب رئيس للجمهورية، حتى لا يتحوَّل لبنان إلى دولة مارقة بدون رئاسة ولا ممارسة ديمقراطية سليمة في مجلس النواب، المُمدِّد لنفسه، ولا إنجازات لحكومة محكومة بالكيدية والإبتزاز عند كل استحقاق!

أمّا الفساد المُستشري في مختلف الوزارات والدوائر الرسمية، فبدلاً من محاربته، إنخرطت القوى السياسية وفتحت بازاراته على مصراعيه، فبات المال العام وحقوق المواطن مُباحاً أمام الذمم الواسعة، دون محاسبة أو مساءلة.

وبعد كل هذا الواقع المُتردي، يتوقّع لبنان من الدول المانحة أن تُعطيه المساعدات دون أن يلتزم بخطّة شفّافة وواضحة لتوزيع المساعدات وتحسين المستوى المعيشي والصحّي والتربوي للاجئين.. وطبعاً في ظل غياب النيّة الحقيقية لإنهاء الشغور الرئاسي وإنقاذ ما تبقى من دولة المؤسسات.

إن مشكلة اللاجئين ليست صنيعة اللبنانيين وحدهم، فقد تحوَّلت من حالة إنسانية إلى واقع إشكالي جدّي، ولا سبيل للعودة إلى الوراء عبر إلقاء اللوم هنا وهناك، ولا ينفع تحميل المجتمع الدولي كل المسؤولية، لأن العبء المادي هو حصّة الدول المانحة، ولكن إدارة خلافاتنا الداخلية وإيجاد خارطة طريق للخروج من أزماتنا هو مسؤولية الطبقة السياسية المُستولية على مفاصل الدولة، وتُمعِن في التعطيل، حيث يُحاول كل فريق فرض شروطه في اللعبة أو يقلب الطاولة على مَنْ فيها!

عندما ننعى الإرادة الداخلية في تحسين الواقع، لا نعجب من تقاعس الخارج في إنقاذنا.. وفي ظل العجز الداخلي، يكون الإهمال الخارجي النتيجة الطبيعية لمشاكلنا!