Site icon IMLebanon

السفراء الأجانب… يدوسون سيادتنا !!

ما أصدق المثل اللبناني الذي يقول «الرزق السائب يعلّم الناس الحرام»، وبما ان الفراغ الرئاسي الذي انتج شللاً في المؤسسات وفوضى في ادارة الحكم، حوّل ايضاً لبنان كلّه الى رزق سائب، تمتد الأيدي الى كل شيء فيه، حتى الى سيادته واستقلاله وكرامته وقراره الحرّ، وأكبر برهان على الحالة التعيسة التي وصل اليها لبنان، هذه «البرطعة» الديبلوماسية التي يلجأ اليها السفراء الاجانب والعرب، مع مطلع كل شمس باتجاه السراي الحكومية، وعين التينة، قبل استكمال «زيّاحهم» على الوزراء والنواب والقيادات السياسية، في زيارات مكوكيّة، يخرقون فيها جميع الاعراف الديبلوماسية، ومبادئ احترام حقوق البلد المضيف وسيادته، ويتدخلون في كل شاردة وواردة بدءاً بالزبالة حتى انتخاب رئيس للجمهورية.

أنا لا ألوم السفراء على هذه البدعة المستهجنة التي لا تحصل ربما الاّ في دول العالم الرابع او جمهوريات الموز، فالدولة سائبة، ورزقها سائب، وهي المسؤولة عن استباحة السيادة والاستقلال، ولا يكفي تصريح من نائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان الذي يدعو السفراء الى وقف تدخّلهم في الشؤون اللبنانية الداخلية، بل يجب مساءلة الحكومة مجتمعة، ووزير الخارجية منفرداً عن ترك السفراء يسرحون ويمرحون في بلد شارك في تأسيس الامم المتحدة ووضع شرعة حقوق الانسان وهو عضو مؤسس في جامعة الدول العربية، وهو وطن الادباء والشعراء والعلماء والفلاسفة، وأرض اصطفاها الله جنّته على الارض، ويصعب ترك هذه الحالة الشاذة ديبلوماسياً واخلاقياً، تنمو وتكبر وتتعمّم في لبنان وتصبح نهجاً وسابقة لكل سفير يحبّ ان يحشر انفه في قضايانا الوطنية الداخلية.

* * * *

حان الوقت لأن يلغى من قاموسنا السيادي والوطني، ان رئيس جمهورية لبنان لا يمكن ان يكون صناعة لبنانية، بل هو صناعة مشتركة عربية، اقليمية، اجنبية، وأي رئيس ينتخبه مجلس النواب المتحرر من اي وصاية وتبعية للخارج، هو الرئيس القوّي، لأن قوته عندها لا تنبع من حزب او شعبية، بل تنبع من مجلس سيادي يمثّل جميع مكوّنات الشعب اللبناني الطائفية والمذهبية والسياسية.

ان الطريقة المتبعة منذ زمن بعيد، بترك الاجنبي يتدخل في قضايانا وشؤوننا، واحياناً كان يستدعى هذا الاجنبي من بعض القوى السياسية لتكون له كلمة الفصل في انتخاب الرئيس، او انتخاب النواب، او تشكيل الحكومة، هي التي عوَّدت المواطن على استسهال التبعية لهذا السياسي او هذا المسؤول، وسهّلت للسياسيين والمسؤولين في معظمهم، ان يكونوا تابعين لهذه الدولة او تلك، والالتزام بما ترى هي وتقرر تبعاً لمصالحها، وليس تبعاً لمصلحة لبنان وشعبه، وهذه التبعية التي نمت وترعرعت في ظل الوصاية السورية، هي في الحقيقة السبب الرئيس في ما وصل اليه لبنان من تشرذم وتخلّف وتوتر وفراغ وتعطيل سياسي واخلاقي.

* * * *

قد يقول البعض، كيف يمكن لحكم فشل في اجراء انتخابات نيابية، وفشل في تعيين الموظفين لادارة المؤسسات، وفشل في تأمين الماء والكهرباء والعمل للمواطنين، وفشل في حلّ مسألتي الزبالة وعجقة السير، وفشل في انتخاب رئيس للجمهورية، ان يتحوّل الى حكم سيادي استقلالي يطبق الدستور والقوانين، ويضع حدّاً لاعتداء السفراء على كرامته.

هؤلاء على حق في ما يقولون، ولكنني في نهاية الأمر، اعوّل على الخير والكرامة والاعتزاز بلبنان الذي يعمر صدور بعض القيادات السياسية الوطنية، لتكون هي حبّة الحنطة التي تنبت في مكان صالح وتعطي غلالاً كثيرة صالحة.

ليس أمامنا سوى الايمان بلبنان والانسان.