لا يزال مجلس الوزراء معطّلاً منذ حادثة قبرشمون التي حصلت في 30 حزيران الماضي، ويخشى رئيس الحكومة سعد الحريري الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء قبل حصول المصالحة السياسية لكي لا يتمّ تفجير الحكومة خلالها. غير أنّ مصادر سياسية عليمة أكّدت أنّ «تطيير» الحكومة من غير الممكن أن يحصل في هذه المرحلة بالذات، لأنّ هذا الأمر السيىء من شأنه الإنعكاس سلباً على جميع الأطراف السياسية، كما على التزامات لبنان تجاه مؤتمر «سيدر» ومجموعة الدعم الدولية له.
إلاّ أنّ عدم «تطيير» الحكومة واستمرار تعطيل جلساتها وتجميد عملها، لا يُطمئن أحداً لا في الداخل ولا في الخارج، ولا يعني أنّ البلد يسير على الطريق الصحيح، بحسب ما ينقل بعض السفراء الأجانب. فالدول المانحة التي تُراقب أداء الحكومة التي كان يُفترض أن تكون حكومة «الى العمل»، كما جرت تسميتها، والحكومة الفعلية لانطلاقة عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لا سيما بعد التسوية السياسية التي حصلت وأوصلته الى قصر بعبدا، وأوصلت الحريري الى السراي الحكومي، لن تعطي ثقتها للبنان لوقت طويل بعد، في حال استمرار تعطيل العمل الحكومي.
وحذّرالسفراء الاجانب من انعكاس التعطيل في حال طال لأشهر مقبلة، ليس على الحكومة فقط، إنّما على العهد الرئاسي ككلّ الذي يدخل النصف الثاني من ولايته بعد شهرين ما لم يتحلّ السياسيون بالمسؤولية والتعقّل، ويقوموا بالمصالحة ويُتابعوا العمل بالإصلاحات المطلوبة للحصول على القروض والمساعدات الدولية لإنقاذ الوضع الإقتصادي الداخلي وتحسين أوضاع اللبنانيين.
وقالت المصادر نفسها بأنّه حتى ولو أكّد رئيس «الحزب التقدّمي الإشتراكي» وليد جنبلاط بأنّ الفريق الآخر يريد تطويق دوره سياسياً، لا يُمكن لهذا الأمر أن يؤدّي الى تعطيل عمل الحكومة الى أجل غير مسمّى. فلا أحد يريد أن يلغي أحداً أو يستطيع القيام بذلك، وقد أثبتت التجارب السابقة هذا الأمر. أمّا الخلاف السياسي فسيبقى قائماً بين الأفرقاء، ولكنّه لا يُبرّر تعطيل عمل المؤسسات، أو الإنقضاض على الفريق الآخر، والإبقاء على التوتّر قائماً في البلد. وترى بأنّه إذا أحيلت جريمة قبرشمون الى المجلس العدلي أو الى المحكمة العسكرية، أو الى المجلس العادي، فإنّ الذين قاموا بجريمة قتل مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لا بدّ وأن يُعاقبوا في نهاية المطاف، ولهذا فلا أهمية الى أي قضاء سوف تُحال اليه، وتعطيل العمل الحكومي بسبب هذا الأمر.
وفي رأي المصدر، إنّ أي استقالة للحكومة الحالية لن يحلّ الخلاف، إنّما الحلّ يكون في الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء ومناقشة ما حصل على طاولة الحكومة من دون أي محاولة لتفجيرها من الداخل من قبل أي مكوّن سياسي. فإذا كان مجلس الوزراء سيُبقي الخلافات بعيدة عنه لعدم التفجير، فكيف يُمكن حلّ الخلافات الحاصلة بين المكونّات السياسية خارج الحكومة في حال بقي كلّ طرف متمسّك بموقفه ولا يقبل القيام بأي تنازل لتسيير أمور البلاد؟
وتوقّعت المصادر أن يتمّ التوصّل خلال هذا الأسبوع الى اقتراح يرضي الفريقين المتنازعين، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، على غرار ما كان يجري خلال السنوات الماضية، ويُرضي بالتالي أهل الشهيدين الذين يرفضون المساومة على دمّ إبنيهم الشهيدين رامي سلمان وسامر أبي فرّاج، سيما وأنّ عون والحريري مصرّين على ضرورة انعقاد مجلس الوزراء في أسرع وقت ممكن. وفي الوقت نفسه، فإنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي يعمل لإيجاد المقترح المناسب، وكذلك المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم لا سيما بعد أن استمع الى مواقف المعنيين بحادثة قبرشمون (أو البساتين).
ولا يخشى السفراء الأجانب، على ما نقلت المصادر، من حصول أي توتّر أمني في البلاد، ما دام الوضع الداخلي ممسوكاً من الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، رغم كلّ ما حصل في الشارع من تظاهرات شعبية خلال إقرار الموازنة العامّة، ومن توتّرات داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها، على خلفية «تنظيم العمالة غير الأجنبية في لبنان» من قبل وزارة العمل. غير أنّهم دعوا الى ضرورة عقد جلسات مكثّفة لمجلس الوزراء، بدلاً من «تجميد» عمله، لكي يُصار الى إيجاد الحلّ المناسب للاجئين الفلسطينيين كما للنازحين السوريين في لبنان، سيما وأنّ وجودهم المستمر فيه يُساهم في انهيار الوضع الإقتصادي في البلاد.
في المقابل، تنتظر مجموعة الدعم الدولية أن تسمع أخباراً جيّدة ليس فقط عن اجتماع الحكومة، إنّما عن البدء بوضع مشروع الموازنة العامة للعام 2020 مع تخفيض العجز العام، والقيام بالإصلاحات في ما يتعلّق بملف الكهرباء والنفايات والبيئة وما الى ذلك، لكي تستمرّ في دعمها المالي للبنان.
وكشفت المصادر نفسها بأنّ إقرار الموازنة العامّة للعام 2019، كان له صدى إيجابي لدى مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان التي تضمّ كلا من الأمم المتحدة وحكومات الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والإتحاد الروسي وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركي، فضلاً عن الإتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. غير أنّ الفرملة الحالية لعمل الحكومة قد تطيح بكلّ ما تحقّق، ما يجعل الدول المانحة تغيّر موقفها فيما لم يتبدّل الوضع قريباً.