ليس حزيران شهر الاتفاقات ولا التسويات، ولأنه كذلك فإن فيه الكثير من الأوقات الضائعة ليس في لبنان فحسب، بل في كثير من بقاع الأرض التي تشهد مفاوضات، والأوقات الضائعة عادة ما تُملأ بالتصعيد، ولا سيما التصعيد الكلامي، وهذا ما يمكن اعتباره الجامع المشترك بين تصعيد في الداخل وآخر في الخارج.
***
التصعيد الداخلي يتمثل أكثر ما يتمثل في سبت التصعيد للعماد ميشال عون حيث درج منذ شهر تقريبا على استقبال وفود شعبية عصر كل سبت حيث يبث فيهم الروح المعنوية تحضيراً لتصعيد على الأرض لم يحدد بعد زمانه ومكانه وطبيعته، هذه المواقف والخطط يتعاطى معها المعنيون بطريقة عادية لا بطريقة استثنائية لأنهم يعتبرونها تصعيد الوقت الضائع حيث ان ملفات المنطقة لم تنضج بعد ولا سيما منها ملف النووي الايراني وملف طاولة المفاوضات التي يجري اعدادها لحرب اليمن.
لهذه الأسباب فإن تصعيد العماد عون لم يفاجئ المتابعين والمعنيين، لأنه برأيهم، يأتي في السياق العام للتطورات، وقد اعتادوا على هذا النمط من التصعيد.
***
المؤشر الى التصعيد الحقيقي هو توقُّف الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله حيث ستعقد جلسة جديدة لهما مساء هذا اليوم الاثنين، فاذا انعقدت الجلسة فهذا يعني ان كل تصعيد لم يكن سوى كلامي، خصوصاً ان ظروف حزب الله تدفعه الى ان يُبقي قنوات التواصل قائمة مع كل الاطراف، فكيف اذا كان تيار المستقبل وهو الطرف الأكثر فاعلية.
***
على رغم كل هذا التصعيد فإن للتهدئة عنوانين:
الرئيس نبيه بري والرئيس تمام سلام، والرئيسان حريصان على اعتبار ان التصعيد الجاري ليس سوى سحابة ربيع وتمضي، لأن ما يُعوَّل عليه هو ما يجري في المنطقة وعنها وليس ما يجري في لبنان.
***
في ما يخص الملف النووي الإيراني فإن عراقيل اللحظة الأخيرة يبدو انها ظهرت، فالاتفاق الذي يفترض ان يضمن الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات عن ايران، يبدو انه يصطدم بالتفاصيل، ولعل العقدة الاساس تتمثل في شرط السماح الايراني بالدخول الى المنشآت النووية، وهذا ما ترفضه ايران رفضاً قاطعاً، وهذا ما جهر به الرئيس الايراني حسن روحاني من خلال اعلانه ان ايران لن تسمح ابدا بسقوط اسرار الدولة في أيدي أجانب عن طريق البروتوكول الاضافي أو أي وسائل أخرى في اشارة الى ما يُحكى عن شرط التفتيش داخل المواقع الايرانية.
***
كل هذه المعطيات تؤشر الى ان نهاية حزيران لن تكون النهاية السعيدة للاتفاق النووي الايراني، بل ان جنيف سيتم التمديد له، وهذه النكسة ليست وحيدة، بل هناك نكسة أخرى تتمثل في تعثر مفاوضات ستجري في جنيف أيضا حول حرب اليمن.
هكذا فإن الحروب السياسية الداخلية ليست سوى تعبئة الفراغ الى حين نضوج ما يجري سواء بالنسبة الى الملف النووي الايراني او الى ملف حرب اليمن، وفي ما عدا ذلك مجرد الهاءات.