IMLebanon

الأصابع الخارجية في هجمات اسطنبول

القناعة التركية الواسعة الإنتشار في هذه الآونة هي أنّ استهداف الداخل التركي تنفّذه 3 تنظيمات إرهابية باتت معروفة جيداً لدى الجميع، حزب العمّال الكردستاني، تنظيم داعش، وتنظيم الكيان الموازي. إمتدادات هذه الأحزاب وتمركزها ونشاطاتها تصل الى العديد من العواصم الإقليمية والغربية، التي تستخدمها في تصفية حساباتها الأمنية والسياسية مع تركيا.

أصوات تركية تُطالب بالانتقام والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول لن نتركهم يهدّدون أُممنا ويستهدفون وحدتنا، لكنّ المشكلة قبل كلّ ذلك هي معرفة الجهة التي تحرّك هذه المجموعات واكتشافها وهي متلبّسة بالجرم المشهود.

هناك حال من القلق في صفوف الشارع التركي سببها عدم التمكّن من القضاء على الإرهاب بعد عقود طويلة من المواجهة المصحوبة بخسائر بشرية ومادية كبيرة، لكنّ الغضب الحقيقي سببه خيبة الأمل المتزايدة حيال القوى الخارجية، والتي يعتبر الكثير منها نفسه شريكاً وحليفاً لتركيا، والتي تُصرّ على استخدام هذا السلاح ضدها لتضييق الخناق على تركيا.

حزب العمّال الكردستاني «با كا كا», المتهم بالوقوف وراء تفجير اسطنبول الاخير هو الاقدم والانشط بين هذه التنظيمات في العواصم الغربية، على رغم اعتباره تنظيماً إرهابياً في هذه الدول. يتمتع عناصر الحزب بالدعم المادي والمعنوي ويلقون الحرية الكاملة في التجوّل والإقامة وتنظيم النشاطات والاجتماع بالاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع الدولي الفاعلة هناك.

تركيا تخوض في العلن حرباً ضد هذه التنظيمات الثلاثة، لكنّ الجميع يقول إنّ الحرب الحقيقية هي مع الذين يديرون ويحرّكون هذه التنظيمات في الخارج من أجهزة استخبارات ولوبيات ومنظمات تنشط تحت غطاء المجتمع المدني، وإنّ الهدف قبل أن يكون الدفاع عن حقوق هذه التنظيمات السياسية والاجتماعية هو لعب ورقتها ضد تركيا لتضييق الخناق عليها في الداخل والخارج.

هناك مطالب ودعوات يومية حتى في صفوف الكتّاب والإعلاميين المعروفين باعتدالهم لإطلاق استراتيجية وطنية جديدة في الحرب على هذه التنظيمات الإرهابية الثلاثة، تبدأ بالتحرّك الميداني العاجل لمكافحة بناها وهياكلها خارج تركيا، والتقدّم نحو القامشلي وعين العرب وعفرين والحسكة، حيث يتمركز إذا ما تطلّب الأمر ذلك لتدمير قواعد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المرتبط عضوياً بحزب العمّال، والذي يقدّم له الدعم للتحرّك في المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا كما تردّد تقارير الاستخبارات التركية اليومية.

لكنّ مشكلة انقرة هي أنّ واشنطن تقود عملية تبنّي ودعم هذه المجموعات في شمال سوريا، تحت ذريعة أنّ هذا الدعم ضروري لمجموعات هي الأكفأ في محاربة تنظيم داعش. فهل تركيا جاهزة لإقحام نفسها في مغامرة من هذا النوع قد يكون ثمنها المواجهة المباشرة مع الحليف الأميركي؟

الرئيس رجب طيب أردوغان أعلن قبل يومين حال الاستنفار الوطني العام في تركيا التي تخوض حرباً ضد اكثر من تنظيم إرهابي ينشط داخل تركيا وخارجها. قيادات الأحزاب الرئيسة الثلاث في تركيا وقّعت بياناً مشترَكاً يعكس وحدة المواقف ضد الإرهاب.

المشكلة كانت في عدم دعوة ممثلي حزب الشعوب الديمقراطي المحسوب على أكراد تركيا ايضاً الى هذا الاجتماع، فهو متهمّ بعدم إعلان موقفه الواضح والنهائي في الابتعاد عن حزب العمال الكردستاني وأساليبه.

المشكلة الثانية هي فشل أنقرة في سحب الورقة الكردية من يد بعض اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين يلوّحون بها ضدها ويستخدمونها عند الضرورة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، ما حمل معه مشكلة أكبر هي الترويج اليومي لتورّط تركيا في دعم مجموعات إرهابية في سوريا والعراق ومحاصرتها بتنظيم داعش، بهدف تكبيل يديها ومنعها من التمدّد الإقليمي.

من المستبعد أن لا تكون القيادة السياسية التركية تعرف أنّها اليوم تدفع ثمن مصالحتها وتفاهمها الاخير مع الروس أيضاً، في إطار اتفاقيات وصفقات تجارية وإنمائية استراتيجية مشترَكة، تفتح الطريق أكثر فأكثر أمام الانتشار الروسي الاقليمي والدولي، وتتعارض مع مبدأ انتمائها الى المجموعة الغربية سياسياً وعسكرياً في حلف الاطلسي.

الاتفاقيات التركية الروسية الاخيرة تشمل مشاريع وخطط التحكّم بنقل الطاقة بين الشرق والغرب والتحكّم بمسار التجارة العالمية في هذه البقعة الجغرافية، فهل من المعقول أن لا يرد المتضرّرون وأن يلعبوا ما يملكون من أوراق وفرص ضد تركيا التي تهدّد نفوذهم ومصالحهم على هذا النحو؟

آخر التقارير الأمنية التركية كشف النقاب عن أنّ عبوة التفجير في اسطنبول، أُعدت باستخدام تكنولوجيا ومواد متطوّرة وطريقة معقّدة لا يُجيد تحضيرها وتركيبها سوى أجهزة مخابرات تابعة لدولة، وأنّ العبوة تمّ تسليمها الى الفاعلين في سوريا وهي رسالة تركية مباشرة نقلها وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو الى حلفاء وشركاء تركيا الغربيين.

البرلمان الأوروبي الذي فتح أبوابه امام الناشطين الأكراد في سوريا وتركيا، مُعلِناً تضامنه معهم في إقامة كيان كردي مستقل في المنطقة، وضرورة سحب إسم حزب العمّال الكردستاني من لوائح الإرهاب الغربية يقلق الأتراك طبعاً، لكنّ خيبة الأمل الحقيقية في موضوع الحرب على الإرهاب تواجهها انقرة مع شريكها الاميركي قبل غيره الذي كان ينقل السلاح والعتاد جواً، وقبل صدور موافقة الكونغرس الى الوحدات الكردية في شمال سوريا لحظة وقوع تفجير اسطنبول الاسبوع المنصرم.