IMLebanon

أزمة العاملات العالقات بين الحل والتعقيد

 

إنعكس الإغلاق الذي طاول الإقتصاد اللبناني خلال الأشهر الماضية وتهاوي الليرة، على وضع اليد العاملة الأجنبية في لبنان وأدّى إلى تضرّرها. فشهدت البلاد اعتصامات لجالياتٍ منها البنغلادشية والسودانية. كما عالجت السفارة الفيليبينية أمور رعاياها بعدما تخلّى عنهنّ أصحاب أعمالهنّ بذريعة عدم قدرتهم على دفع رواتبهنّ بالدولار، في حين أن مسلسل تشرد العاملات الإثيوبيات لم ينته مع “الهمروجة الإعلامية”، التي انتقت فيها وزارة العمل 35 عاملة أثيوبية للذهاب بهن إلى الفنادق من دون أخريات تُركن لافتراش الشارع.

 

وكأن التمييز العنصري تجاه العمال الأجانب و”قانون الكفالة” المجحف لا يكفي، تُركت العاملات الإثيوبيات فريسةً للاستضعاف والانعزال والارتهان المطلق لإرادة الكفيل، الذي “رمى بأغلبهن في الشارع الملاصق للسفارة مع أغراضهن كأنهن أكياس قمامة ولسنَ بشراً”، بحسب العاملة الأجنبية سارة، التي تحدثت باللغة العربية “المكسرة” مع “نداء الوطن” لتوصل صرختها إلى المعنيين.

 

عالقات بلا حل

 

أغلبهن عالقات بين مطرقة الدولار وسندان أرباب العمل وأقصى أحلامهن العودة إلى بلادهن، بعيداً من النظرة الإستعلائية تجاههن وبعيداً من أزمة لبنان الإقتصادية.

 

وتكمل سارة: “أنا لست ممن تخلى عنهن مشغّلهن، أنا من الهاربات من الظلم والضرب. هربت منذ أشهر عديدة من منزل مشغّلتي والتجأت إلى احدى الجمعيات، التي لم تستطع حتى الآن مساعدتي لاسترداد جواز سفري، وربما لهذا لم يتم اختياري من بين الفتيات اللواتي نُقلن إلى الفندق”، وأوضحت: “أفترش الشارع مع الأخريات منذ نحو الأسبوعين أمام سفارة بلادي، التي لا تستطيع الضغط على وزارة العمل اللبنانية للوصول إلى صيغة قانونية معها كي يتم إجلائي، وإذ فوجئنا منذ يومين وصول باص انتقى منا 34 عاملة وذهب، وعلمنا بعدها من إحداهن أنه قد تم نقلهن إلى فندق، فلمَ التمييز بيننا؟ إن كان الموضوع بسبب عدم تسوية أوضاعنا، فهل يعتبر تصرفهم انسانياً؟” ومن ثم أشارت إلى زميلتها التي تحمل طفلاً وقالت: “ماذا عن الطفل الموجود مع تلك العاملة؟”

 

مخدتها كيس محارم

 

أما أبيبة زاييدي ماكونين، فقالت لـ”نداء الوطن” أن ظهرها يؤلمها من قساوة النوم على الأسفلت وأنها تضع كيساً من المحارم الورقية تحت رأسها كمخدة، وقالت إن أغلب المتروكات في الشارع يشعرن بالتهميش وأنها تذهب أغلب الوقت إلى العمل كـ”فريلانس” كي تحصل على وجبة أكل. وتابعت: “إن تجربتي في لبنان متعبة جداً إذ أنني كما كثيرات قد تعرضت لانتهاك حقوقي كإنسان، ولإساءات جنسية ونفسية وجسدية وأخيراً إقتصادية، كما صودر جواز سفري وأنا هنا منذ أكثر من عشرين يوماً ألبس الكمامة وأنتظر حلاً يبدو مستحيلاً، بحسب ما يقولون لي بخاصة أنه قد ازدادت أعداد القادمات إلى السفارة، وقد حضر باص آخر إلى باب القنصلية اليوم مجدداً وأخذوا 24 فتاة إلى الفنادق بدوننا”، وختمت: “أظن أن العاملات اللواتي نقلن قد تركن بمعظمهنّ بلا مأوى بعد رفض مشغلاتهن تسديد أجورهنّ منذ أكثر من أربعة أشهر. وثمّة أخريات طلبن ترك العمل لأن أرباب العمل قد قرروا الدفع بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي، الذي بات لا يكفي ولم تعد له أي قيمة ولا يمكنهن ارساله إلى ذويهن في إثيوبيا، وبالتالي يمكن للوزارة محاسبة مشغليهن قضائياً على رميهن في الشارع، أو على الأقل إجبارهم على ترحيلهن وتسوية أوضاعهن، ولكن الأخريات الهاربات من العنف والإساءة فلا يمكن للوزارة من تسوية أوضاعهن أو مساعدتهن الا عبر حل قانوني، وأنا لا أعلم كيف ولكن هذا ما قيل لي وبالتالي أنا فاقدة الأمل بأي حل”.

 

إستحصلنا على أرقام هواتفهن وتواصلنا مع الناشطة الإثيوبية بانشي ينير المعروفة بمساعدتها للعاملات الإثيوبيات في لبنان، وقد أخبرتنا بدورها أنها تتلقى مكالمات من أكثر من 30 عاملة بشكل يومي، ولكن غالبيتهن لا يمكن تسوية أوضاعهن بسبب مخالفتهن القانون وهن يواجهن اليوم وضعاً مزرياً، وطالبت الوزيرة يمين بالتوصل إلى حل قانوني، ما يفتح الباب أمام المخالفات بحلحلة أمورهن للذهاب إلى ربوع الوطن، بخاصة في الظروف الراهنة، مشيرة إلى أنّها وصديقاتها ينشطن جماعياً لتوفير ما يعين هؤلاء العاملات غذائياً، لكن ذلك لا يكفي، وأن أعداد المحتاجات إلى ازدياد. وختمت: “لا بد من خلق حل جذري لهذه المسألة وإلا ستجد الدولة اللبنانية نفسها أمام أزمة جديدة، إذ أتوقع تدهور أحوال آلاف العاملات الأجنبيات في القريب العاجل، بخاصة منهن من يعمل بشكل فردي ومن دون أوراق رسمية وقانونية”.

 

نتائج سلبية

 

أما بالنسبة للعاملات الإثيوبيات اللواتي نُقلن إلى الفنادق، فقد أجريت على جميعهن فحوصات PCR وجاءت جميع النتائج سلبية، بحسب الدكتورة زينة مهنا التي أشرفت على الفحوصات، وتولت “كاريتاس” نقلهن من الفندق إلى بيوت الإيواء التابعة للرابطة لتأمين مكان آمن ونظيف مع كل حاجياتهن، حيث سيتابع فريق العمل المتخصص وضعهن ويوفر لهن المساعدات الصحية والنفسية والاجتماعية والقانونية اللازمة، إلى حين وجود الحلول المناسبة مع الجهات المعنية.

 

الجالية السودانية والمصرية

 

إعتصم عشرات من العمال السودانيين العالقين في لبنان، ممن فقدوا أعمالهم بسبب تدهور النشاط الاقتصادي في البلاد، أو انتهت عقودهم وإقاماتهم بعد جائحة كورونا، أمام سفارة بلادهم في العاصمة بيروت أمس، موجهين رسالة إحتجاجية إلى دولتهم طالبوا فيها تسهيل الإجراءات من أجل عودتهم إلى السودان، بسبب المعاناة التي يعيشونها جراء الأزمة الناجمة عن فيروس كورونا وارتفاع كلفة العيش في الأشهر الأخيرة.

 

وكان كورونا قد بدأ يتفشّى في السودان في مارس/ آذار الماضي، ليصل عدد الإصابات أمس الجمعة إلى نحو 5714، معظمها في ولاية الخرطوم، منها نحو 333 حالة وفاة ونحو 1825 حالة تعافٍ من المرض تماماً. هذا وقد أغلقت السلطات السودانية حدود البلاد بشكل مبكر، كما أقفلت الجامعات والمدارس ومنعت التجمعات، وفرضت حظر تجول في الخرطوم وعدد من الولايات خشية من تفشي الفيروس بأعداد أكبر، بسبب هشاشة النظام الصحي.

 

أما بالنسبة للوافدين المصريين، فقد بدأت منذ أيام رحلات الإجلاء الاستثنائية لـ1400 مواطن مصري في لبنان، وإعادتهم إلى أرض الوطن على متن 8 رحلات جوية “مجانية” توزّعت على ثلاثة أيام متصلة، بعد أن تم توزيع مساعدات غذائية بشكل منتظم على 4 آلاف شخص، يمثلون حوالى 10% من الأكثر احتياجاً من أبناء الجالية المصرية في لبنان، ضمن برنامج جرى تنفيذه بالتنسيق بين السفارة المصرية ورابطة الجالية المصرية والمؤسسات المصرية العاملة في لبنان.

تسريح العمالة الهامشية

 

ويلفت الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين إلى احتمالية تغيير جذري في سوق العمل إذا ما تم الاستغناء عن الوافدين بصورة عشوائية، حيث ستتأثر قطاعات حيوية وقد تؤدي إلى مشكلة في شركات تعمل في مجالات مثل النظافة والتشييد والبناء والعقارات والمطاعم، ومهن مثل التحميل والنقل والمهن الفنية والحرفية الأخرى. حيث أن في لبنان نحو 400 ألف عامل أجنبي من مصري وبنغلادشي وإثيوبي وسريلانكي وهندي وغيرها من الجنسيات، باستثناء السوري والفلسطيني، منهم 280 ألف مقيم شرعي يحملون إجازات عمل وإقامة، ونحو 120 ألفاً غير شرعيين، دخلوا بإجازات عمل ولم يجددوها عند انتهاء صلاحيتها. وأضاف: “وبالنسبة للعاملات الأجنبيات في المنازل، فقد قُدِّر عددهن العام 2018 بـ247 ألف عاملة منزلية، واكثريتهن من الاثيوبيات، تليهن البنغلادشيات، ثم الفيليبينيات”.