IMLebanon

مكاتب الخدم… بين دور “الوسيط” و”الاتجار بالبشر”

 

كل شيء يتغير في البلد. والأبيض يصبح أسود، والأسود يصبح حالكاً أكثر. عمال لبنان الى البطالة والحدّ الأدني 67 دولاراً والآتي قد يكون أعظم. ومن كان لديه عاملة في الخدمة المنزلية إما “رماها” على الطريق أو ودّعها الى غير رجعة. فالبلد الى الأسوأ وناسه باتوا يُصّنفون في نفس المراتب مع أفغانستان وسريلانكا وأنغولا وغامبيا واليمن وأكيد بعد بنغلادش وتشاد ومصر وأذربيجان والهند. وفي هذا كله، ماذا عن مآل العمالة الأجنبية في البيوت في 2021؟

محمد شمس الدين، الباحث في الدولية للمعلومات، كان ومنذ زمن ضدّ العمالة الأجنبية في البيوت واليوم أصبح موقفه أشدّ. فهؤلاء لا يصرفون ما في الجيب ويرسلون (أو كانوا) نحو 800 مليون دولار الى الخارج. والبارحة، من “كم يوم”، أنهى دراسة استناداً الى عدد سمات العمل التي منحها الأمن العام الى هؤلاء بيّن فيها “أن أعداد العمال العرب والأجانب الذين كانوا يأتون للعمل في لبنان تراجعت بين عامي 2019 و2020 بحوالى 48,177 سمة عمل أي بنسبة 83 في المئة. الخبر سرّ طبعاً الباحث لكنه عكس بوضوح ما يؤول إليه الوضع في لبنان.

 

الحد الأدنى للأجور هنا… وهناك

 

ويقول “كان في لبنان ايام زمان، في 2019، 247 ألف عامل وعاملة أجنبية شرعيين وكان هناك نحو مئة ألف غير شرعيين. وما أصبحت عليه الحال ان أكثر من مئة ألف من هؤلاء غادروا أما من دخلوا بسمات جديدة في 2020 فلم يزد عن 10 آلاف. يضيف في مقارنة بين من دخلوا في شهر واحد، شهر كانون الثاني 2020، ومن دخلوا في اول شهر من 2021، ان العدد هذه السنة في كانون الثاني كان 883 في حين كان في كانون الثاني العام الماضي 2844. وهذا الرقم وحده يشرح التراجع بوضوح. وهذا التراجع سيزداد في الأشهر المقبلة كما هو متوقع. ولذلك أسباب عدة بينها أن مصرف لبنان توقف نهائياً في أيلول الماضي عن تحويل المال الى هؤلاء على سعر المنصة. وثاني الأسباب، أن من كانوا يستخدمون عاملات أجنبيات استناداً الى إتفاقيات قانونية على سنتين أو ثلاث ستنتهي قريباً وسيستغنون عنهن”.

 

ما يسميه محمد شمس الدين “المرض اللبناني الإجتماعي” يتراجع. لكن ماذا عما يراه رئيس نقابة أصحاب مكاتب استقدام العاملات في الخدمة المنزلية علي الأمين؟ يجيب “الوضع بالنسبة الى هؤلاء في موت سريري كما كل شيء في لبنان. ويشرح: أرقام الدولية للمعلومات أتت حقيقية فالتراجع كبير ففي اول شهرين من هذه السنة تم إنجاز 2700 موافقة مسبقة لاستقدام عاملات في الخدمة المنزلية في حين كان المعدل العام 8000 في شهرين. ونسبة الإلغاء المرتقبة من 2700 موافقة قد تلامس بحسب التوقعات الخمسين في المئة. وبالتالي يتوقع أن تشهد 2021 تراجعاً يزيد عن 90 في المئة عن سابقاتها. فالأزمة المالية والإقتصادية تتعمق. كما أن هناك عراقيل كثيرة بسبب إتفاقيات كثيرة مع الدول التي تستقدم منها العمالة لم تنجز. وغالبية الموافقات التي جرت هي من أثيوبيا وغانا وكينيا وسيراليون. وهناك عمالة كانت تأتي من سريلانكا غير ان تلك الدولة نجحت في إنشاء بلد. ومن كان يذهب الى هناك قبل ثلاثين عاماً ويذهب الآن يكتشف كيف أن سريلانكا قد سبقتنا بأشواط”.

 

كلهم يتقدمون الى الأمام إلا نحن. والأنكى أننا ما زلنا “مزنطرين” نعتبر ان الله خلقنا وكسر القالب.

 

تحدد وزارة العمل في لبنان عدد مكاتب الإستخدام بأكثر من 730 مكتباً في حين انها لا تزيد بحسب علي الأمين عن 600. ويقول “توقف اكثر من 50 مكتباً عن العمل وهناك 90 في المئة من المكاتب الأخرى معطلة لا تعمل لكنها لم تلغِ رخصها لأنها كانت قد أودعت من اجل الحصول على الرخصة 50 مليون ليرة وهي لم تعد توازي اليوم إلا 5000 دولار بعدما كانت توازي 35 ألفاً. لذا فكّر أصحاب المكاتب هؤلاء ان الإلغاء لاسترجاع الوديعة بدل الرخصة لم تعد تحرز لذا الإنتظار يبقى أفضل فلربما تبدل الواقع. ثمة تدمير هائل لهذا القطاع الذي كان ناشطاً من قبل”.

 

ما يراه علي الأمين دماراً هائلاً يراه آخرون وبينهم محمد شمس الدين إنتهاءً من خطأ كان مستفحلاً في البلد.

 

ما رأي نقيب العاملات في الخدمة كاسترو عبدالله؟ هل لبنان قادر بالفعل على الإستغناء عن اليد العاملة في الخدمة المنزلية؟ وماذا عن أهمية الحاجة الى هؤلاء من البعض، وبخاصة الكهول الذين يجدون من يؤانسهم ويمد لهم يد العون في غياب أولادهم؟ يجيب “الحاجة موجودة. هناك عدد من الناس بحاجة ماسة الى هذه العمالة خصوصاً كبار السن والبيوت التي تعمل النساء فيها وفيها عدد من الأطفال الذين يكبد وضعهم في روضات خاصة أموالاً مضاعفة. ويشرح: أنهكت الأزمة الإقتصادية هذا القطاع وهناك 70 شكوى حالياً بين أيدينا على أرباب عمل رموا العاملات اللواتي كنّ يساعدن في البيوت منذ أعوام عدة. هؤلاء رموهنّ كما يرمون بضاعة استغنوا عنها قبل انتهاء العقد. وبعضهم تحججوا ان العاملات سرقنَ من اجل التخلص منهن من دون ان يضطروا الى الدفع لهن او تسفيرهنّ. ومن اجل ان يستفيدوا من التسهيلات التي قدمها الأمن العام”.

 

يتحدث عبدالله عن مكاتب استخدام غير شرعية أو لنقل سماسرة كانوا يعملون في السابق وغالبيتهم من النساء “ستات” لديهن أختام سمات كنّ يبعنها الى المكاتب الشرعية مقابل مئة دولار او مئتين. هؤلاء هنّ تجار البشر. وبعض مكاتب الإستخدام التي كانت تنشط في لبنان، بحسب نقيب العاملات في الخدمة المنزلية، حولت نشاطها الى الخارج، لتلعب دور الوسيط مع الدول الأخرى، مجيرة علاقاتها مع اثيوبيا والنيبال وغانا وبنغلادش، لاستقدام الخادمات الى دول الخليج والعالم العربي بدل لبنان. مكاتب استقدام الخادمات في لبنان اصبحت تتواصل حالياً مع مكاتب استقدام العاملات الى دول الخليج. وباتت وسيطاً بينها وبين الدول الأم. وهذا نوع، بحسب عبدالله، من انواع الإتجار بالبشر. مكونين شبكة جديدة في هذا المضمار”.

نتابع حركة استقدام العاملات في الخدمة المنزلية الى لبنان فنجد بعض المكاتب عادت تعلن عن تأمين خادمات للعمل اليومي. أحد المكاتب يعلن: “لدينا أثيوبيات جاهزات يلا لحّق حالك باقي 4 عاملات”. وهناك اعلان آخر: “عندك عاملة أثيوبية ما بدك ياها نحنا منستردا ومندفعلك “سعر مغري” وبالدولار. العرض ينتهي آخر الأسبوع”. يبدو ان الحاجة بالفعل كبيرة الى هؤلاء لكن بشروط جديدة. هذا أولاً أما ثانياً، فيستمر اللبناني على ما يبدو “لبنانياً” بذهنية التعالي واعتبار هؤلاء الفتيات وكأنهن مادة، سلعة، تُعرض وتباع وتشترى. ولكن، ألم تستطع العمالة اللبنانية في البيوت أن تأخذ مكاناً في هذه الخدمة؟ الثابت أن الموضوع يستمر ضمن المحاولات. والأشهر المقبلة، كي لا نقول السنوات، قد تُظهر مدى قدرتها على الحلول بالفعل لا بمجرد القول مكان العمالة الأجنبية. فلننتظر (مع كل ما ننتظره) ما ستؤول إليه هذه الخدمة وهذا القطاع.