مطلع كانون الأوّل من العام 2019 كتبنا في هذا الهامش عن ظاهرة «تقديس الرئيس»، ومن المؤسف أنّ حالة التّقديس هذه تتفاقم بأسلوب يشكّل خطورة على لبنان، قبل ثلاث سنوات على سبيل المثال تعرّض الزّميل مارسيل غانم وبرنامجه «كلام النّاس» لمحاولة جرجرة أمام القضاء بسبب السيناريو نفسه الذي شاهدنا وكيل الوزير جبران باسيل في وزارة الخارجية شربل وهبة يمثّله بركاكة شديدة على مرأى من العالم، «تقديس الرئيس» ولو نفاقاً، والرئيس يملك الحريّة التامّة في التلذّذ بوقعه في أذنيه، ولكن أن يصبح هذا النّفاق العوني للرئيس مصدراً لإلحاق الأذى والضّرر بلبنان ومصالحه كدولة وشعب ويُسيء إلى علاقاته الدوليّة عن سابق تصوّر وتصميم، فهذا غير مقبول!
«الأعراف الديبلوماسية»، منذ دخل السلوك العوني على وزارة الخارجيّة تحديداً مع الوزير جبران باسيل بدأت عمليّة سلخ الجلد اللبناني عن جسمه العربيّ تمهيداً لتغيير هويّته ووجهه ورغبة في قطع علاقته بمحيطه العربي، تحوّلت هذه الخارجيّة إلى وزارة مداهنة لحزب الله، ولم يتردّد باسيل في اتخاذ مواقف تضرّ بمصلحة لبنان العربي مقدّماً أوراق اعتماده لإيران وحزب الله، وعلى هذا المنوال تصرف الموظف الذي وضعه موقتاً لينوب عنه في وزارته السابقة، وقد تصرّف شربل وهبة وزير تصريف الأعمال بأسلوب عشوائي خوفاً من العقاب الباسيلي الذي سينزل به ويخرجه من الوزارة التي يعبق فيها!!
واحدة من أسوأ الصفات التي تمظهرت فيها المدرسة العونية في السياسة هي الاحتيال والالتفاف على المواقف، وهذه السياسة شيمتها من يوم دخلت الحياة السياسية اللبنانيّة التطاول وتوجيه الإهانات وعدم توقير لا كبير ولا صغير ولا مقام ولا حرمة قلنسوة ولا عمامة كلّ شيء مباح في هذه المدرسة المكيافيلّيّة التي تبرّر فيها الغاية الوسيلة، وقد دفع لبنان الثمن ألواناً من الخراب. وإذا كان العرب ودول العالم قد أنقذونا بـ»اتفاق الطّائف» في المرّة الأولى، فإنّها ومعها دول العالم ستتركنا لمصيرنا وجهاً لوجه مع عهد الذهاب إلى جهنّم!!
لا معنى لاعتذار وزير تصريف الأعمال بعد إساءته، والبيان الذي صدر عن رئاسة الجمهوريّة هو في حدّ ذاته فضيحة حقيقيّة يتنصّل فيها الرئيس من مسؤوليته عن سلوك وزير خارجيته العوني خصوصاً أنّه استقبل الوزير و»عمل معو صبحيّة»، وعندما كبرت كرة الثّلج العربية واللبنانيّة سارع لينفض يديه من وزيره معلناً في بيان أنّ هذا رأي الوزير الشخصي!! في ألف باء الأعراف السياسيّة وزير الخارجيّة هو الناطق الرسمي بلسان دولته وممثلها أمام دول العالم، هذا الموقف يتحمّل مسؤوليّته رئيس الجمهوريّة ميشال عون، ولا يستطيع غسل يديه من موقف وزير هو المسؤول عن تعيينه في الحكومة وهو يمثّل موقف الرئيس في السياسة الدولية وليس موقف الدولة اللبنانيّة!!
تتدحرج الكوارث يوميّاً على اللبنانيين منذ جاء هذا العهد وصدّق أكذوبة قالها جبران باسيل بأنّه «العهد القوي»، عهدٌ ترك لصهره أن يكذب الكذبة تلو الأخرى ورغب دائماً في تصديقها، لأنّ هذا الصهر مربى هذه المدرسة الفاشلة التي يدفع لبنان ثمن فشلها ووقاحة ممثليها، نسأل الله أن يكفي لبنان هذا البلاء السياسي بما يشاء وكيف شاء إنّه على كلّ شيء قدير…