خلال زيارته السابقة للبنان برز تباين في وجهات النظر بين الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب على خلفية تطبيق القرار 1701، إذ طالب بوحبيب أن تُطبّق إسرائيل القرار الدولي كاملاً مع الإنسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فعاجله هوكشتاين طالباً وقف التطرق إلى موضوع الانسحاب لأنّه غير قابل للبحث من قبل إسرائيل. يومها اعتبر بو حبيب أنّ تجاوز الانسحاب يعني أن لا حل للجبهة الجنوبية، منتقداً تهديدات نتنياهو بالحرب والتدمير والقتل. لم يكن اللقاء مريحاً لهوكشتاين الذي استثنى بو حبيب من جولته، ولم يطلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي انضمامه للإجتماع بالضيف في السراي الحكومي خلافاً للعادة. فهل كان متعمداً استبعاد الخارجية سياسياً؟
تبريران أميركيان لموقف هوكشتاين: التذرع بضيق الوقت، وأنه موفد البيت الأبيض وليس الخارجية، علما أنّ السببين لا يلغيان مرور أي بحث في ملف الحدود وعودة الهدوء، خارج أسوار الخارجية. فخلافاً لعادته لم يدرج هوكشتاين الزيارة على جدول برنامجه.
إبّان زيارته الأولى طلب ميقاتي حضور بو حبيب اجتماعه مع هوكشتاين، فلما وصل إلى السراي وجد أنّ الإجتماع بدأ في غيابه، فاعترض. موقف تكرر في الزيارة السابقة حيث طلب ميقاتي حضور وزير الخارجية للاجتماع بهوكشتاين في السراي، متعهداً عدم تكرار ما سبق وحصل في المرة الماضية، لكن مجدداً عقد الاجتماع قبيل وصوله، فهمّ بو حبيب بالمغادرة اعتراضاً لولا تدخل الوسطاء.
خلال اللقاء طلب ميقاتي من وزير الخارجية تخريج موقف لبنان، فتحدث عن ضرورة أن تلتزم إسرائيل تنفيذ القرار 1701 بما في ذلك انسحابها من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فقاطعه هوكشتاين طالباً عدم إثارة موضوع الانسحاب مرة أخرى، لأنّ إسرائيل ليست بوارد تطبيق هذا البند. لم يكن اللقاء ودياً وشهد توتراً بينهما على خلفية الانسحاب من المزارع.
اختلفت زيارة هوكشتاين عن سابقاتها. لم يدرج على قائمة مواعيده التوجّه إلى الخارجية، وبررت سفيرة اميركا في لبنان ليزا جونسون الأمر بضيق الوقت، ثم استدركت أنّ هوكشتاين يزور لبنان كموفد رئاسي من البيت الأبيض وليس من الخارجية. بما يؤكد الاختلاف بين الخارجية والبيت الأبيض حول مقاربة الملف اللبناني الذي بات يدخل في صلب اهتمامات البيت الأبيض مباشرة. أوحت بأن لا دخل للخارجية بزيارته ولا تنسيق مسبقاً معها.
جاء من يلفت انتباه السفيرة إلى أنّ برنامج زيارة هوكشتاين سيكون خالياً من لقاء أي شخصية مسيحية، وأنه استثنى المنصب الماورني الوحيد في السلطة. فأعلن لاحقاً لقاء يجمعه مع شخصيات مارونية في مجلس النواب، لم يكن مدرجاً في برنامج لقاءاته الذي اقتصر على زيارة رئيسي مجلس النواب والحكومة وقائد الجيش والنائب السابق وليد جنبلاط. ما يعزز الاحتمال أن يكون هوكشتاين استعاض عن لقاء بو حبيب مسيحياً بلقائه النواب الموارنة مستثنياً نواب «التيار الوطني الحر» و»المردة» من هذه اللقاءات.
واذا كان استثناء «التيار» و»المردة» له مدلولاته السياسية لقربهما من «حزب الله»، وقد أدرجت بعض شخصياتهما على قائمة العقوبات الأميركية، فمن غير المبرر، وفق مصادر ديبلوماسية، استثناء الخارجية من زيارة هدفها البحث في ملف هي المعنية الأولى به أي تطبيق القرار الدولي 1701 والذي كان موضع تباين بين الوزير وهوكشتاين في زيارات سابقة، فهل قرر الموفد الرئاسي معاقبته على موقفه، علماً أنّه الموقف الذي يؤكد عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في لقاءاته مع هوكشتاين ويعتبر موقف لبنان الرسمي؟
موقف لم يستوقف الحكومة ولم يطلب رئيسها حضور بوحبيب جرياً على عادته، ولم يبرر سبب تغييبه، وارتضى استثناء الخارجية من المباحثات، علماً أنّ بو حبيب لم يخرج المقترح اللبناني من عندياته، بل كرر موقف لبنان الرسمي الذي سبق واعترض عليه هوكشتاين المتمسك بحل مجتزأ قائم على انسحاب «حزب الله» كيلومترات عن الحدود لتأمين عودة المستوطنين إلى الحدود الشمالية.