عهد وزراء الخارجية من أصحاب الأدمغة الكبيرة والركب الصلبة في الولايات المتحدة الأميركية، ولّى من زمان. واليوم تحوّل وزراء الخارجية الأميركيون، عهدا بعد عهد، الى موظفين لدى رئيسهم في البيت الأبيض الذي تحوّل بدوره الى موظف لدى الصهيونية العالمية! وتفتقر أميركا اليوم الى وزراء خارجية لا تصطك ركبهم عند أول هجوم تشنّه أبواق الصهيونية داخل اسرائيل وخارجها ضدّ أي تصريح أميركي لا ينطوي على انحياز كامل لاسرائيل، أو تضمن شبه اعتدال نسبي طفيف لمصلحة الغير! وهذا ما حصل مع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون خلال جولته الأخيرة التي قادته الى لبنان، فتراجع في بيروت عن تصريحات أدلى بها في عمان واعتبر فيها ان حزب الله جزء من المنظومة السياسية اللبنانية!
***
في هذه الأثناء لا تزال اسرائيل في حالة انكار بعد حالة الصدمة إثر إسقاط طائرة ال إف – ١٦ بالدفاعات السورية في أثناء غارة عدوانية لسرب من الطيران الاسرائيلي المعادي على بعض الأهداف على الأرض السورية. وزعم المحللون الاسرائيليون في البداية ان الطائرة سقطت نتيجة خطأ بشري ارتكبه طيّارها بتنفيذ مناورة خاطئة في محاولة تجنّب صواريخ الدفاعات السورية. واليوم ينتقل أولئك المحللون الى التبصير في فنجان آخر، ويزعمون أو يشككون في امكانية أن يكون الصاروخ الذي أسقط الطائرة هو من طراز سام – ٥، وللايحاء بأن سوريا قد تكون حصلت سرّا على صواريخ أكثر تطورا من روسيا!
***
لم يعد هناك أدنى شك… اسرائيل انتقلت من غطرسة الهجوم الى تقيّة الدفاع! وسياسة بناء الأسوار على حدودها المزعومة ما هي إلاّ عودة الى ثقافة الغيتو التي عاش فيها اليهود في كل مكان في العالم، منغلقين على أنفسهم في الداخل، ويسرحون في الخارج لنهب خيرات المجتمعات التي يعيشون فيها، ويتآمرون عليها! وبعد ان كانت اسرائيل تتبنى نظريات بن غوريون بخوض الحروب على أرض أعدائها، وانهائها بأسرع ما يمكن وبانتصار حاسم، فان بنيامين نتنياهو يجعل اسرائيل اليوم غيتو كبير ويحيطه بالأسوار من كل جانب!
***
المهمة الضمنية للزيارة البائسة التي قام بها تيلرسون الى لبنان هي محاولة خلق حالة صدام بين الدولة والمقاومة، واحداث شرخ في المجتمع اللبناني يريح اسرائيل. وهي محاولة تنم عن جهل بالواقع اللبناني وتضاريسه وتشعباته… وكل من يدخل اليه هو أشبه بمن يدخل في متاهة معقّدة لا خروج منها!