تأخر لبنان الرسمي طويلاً عن محاولة العودة الى الصف العربي بقواه الفاعلة. أمضى ردحاً طويلاَ في الغرفة السورية فاعتاد الانقياد الى ما يرسمه حاكم دمشق. تحول حكامه الى اتباع يقاطعون قمماً عربية اذا غمزهم حاكم سوريا، ولا يخرجون للقاء قادة العالم الا عبر مطار دمشق ذهاباً وإياباً.
خرجت سوريا فورثتها ايران. الطرفان لا يسألان اصلاً عن حق الإمرة منذ تسليم آل الاسد بقيادة الرئيس حافظ لإيران بقيادة المنطقة منتصف الثمانينات، وتسليم ابنه بشار بوضع يدها على سوريا منذ 2011. في الحقبة السورية كان مسموحاً للبنان ان يتحدث الى العرب باللسان السوري، اما في الحقبة الايرانية فبات مطلوباً مقاطعة العرب بل وشتمهم على طريقة ما يفعله ممثلو ايران في لبنان والمنطقة.
هكذا غاب لبنان وابتعد عن التفاعل مع هموم أشقائه العرب، حتى انه لم ير موجباً لاستنكار قصف منشآت “أرامكو” السعودية، واتخذ في الاجتماعات العربية صفة المتحفظ دائماً بشأن أي قرار يمس ايران او نظام الاسد، وانعكس كل ذلك على الموقف العربي من لبنان، فابتعد عنه الأشقاء والأصدقاء وباتوا يعاملونه كـ”شرابة خرج” النظام الإيراني او السوري رغم ترنحه، وخير دليل على ذلك ان دولاً تعادي ايران رسمياً وترفض سياساتها مستعدة للتواصل معها، بل ودعمها في مواجهة كورونا، وهي لا تعطي بالاً لحكام لبنان، فمن يتعامل مع الأصيل لا حاجة له الى الوكيل.
المهم ان بيان الخارجية اللبنانية الذي يدين الاعتداءات الحوثية على الأراضي السعودية، جاء خرقاً لسنوات من السياسة الخرقاء الآنفة الذكر، ومع ان البيان لم يسمّ الحوثي، فإنه خطوة الى الامام تعكس اكتشاف بعض من في الحكم مقدار الضرر اللاحق بلبنان بسبب النهج المعادي للعرب وللتضامن العربي.
وليس صدفة ان يكتشف المسؤولون الخطأ بعد اجتماع بعبدا الذي ضمهم الى ممثلي الدول المانحة. فهذا الاجتماع بالذات كشف كم هو لبنان عارٍ وضعيف في مواجهة ازماته المتراكمة، وفي غياب الغطاء الذي وفرته الدول العربية، الخليجية خاصة، لإقتصاده وماليته وشعبه.