Site icon IMLebanon

لبنان المنقسم بين الإمبرياليات

 

ليس لما بقي من الدولة في لبنان سياسة خارجية إلا على الورق، وأحياناً حتى على الورق. ولا بأس في التصرف كأننا دولة لها مواقف من أحداث خارجية، لكن من الوهم أن نصدّق أنفسنا ونتصور أن العالم يصدّقنا. فالسياسة الخارجية هي الوجه الآخر للسياسة الداخلية. وهما موضع خلاف شديد في إطار صراع مصيري على مستقبل لبنان. الحكومة تستطيع أن تكرر في البيان الوزاري إلتزام “النأي بالنفس”، لكنها لا تستطيع أن تجتمع إذا كان من الصعب على بعض أركانها “قبع” المحقق العدلي في إنفجار المرفأ بناء على إصرار “الثنائي الشيعي”. وزارة الخارجية تستطيع، بعد طول تجاهل، أن تصدر بياناً تستنكر فيه قصف الحوثيين للسعودية والإمارات العربية بالصواريخ. وتستطيع أن تصدر بياناً، لا بد منه، باسم بلد عانى من الإجتياحات والغزوات ولا يزال مرشحاً لها يدين الغزو الروسي لأوكرانيا.

 

لكن الموقف الذي يدفع لبنان ثمنه قطيعة مع دول الخليج التي تساعده عادة ويعمل فيها مئات آلاف اللبنانيين هو موقف “حزب الله” الذي يهاجم الأشقاء من أجل المشروع الإيراني. والكل تقريباً تنصل من موقف الخارجية، وسكت عن بيان للسفارة الروسية يستغرب ذلك الموقف، وإستمع الى حماسة أكثر من طرف للغزو الروسي.

 

وليس أمراً قليل الدلالات أن يدعم اليسار واليمين الديني الثيوقراطي حرب الرئيس فلاديمير بوتين على أوكرانيا. فلا روسيا اليوم هي الإتحاد السوفياتي “قلعة الإشتراكية”. ولا هي دولة دينية ثيوقراطية. ولا سر في الأمر. إنه كره أميركا التي يخوض بوتين معها معركة على أكثر من جبهة، لا لإنهاء الإمبريالية الأميركية بل لمشاركتها على قدم المساواة في إدارة النظام العالمي. وغزو أوكرانيا هو معركة لتكريس إمبريالية جديدة شرق أوروبا وفي أمكنة من أميركا اللاتينية والشرق الأوسط. وليس هناك أمبرياليات “مفيدة” وأخرى مضرة. كلها، سواء كانت أميركية أو أوروبية أو روسية أو صينية أو إقليمية، خطرة وخطيرة وعلى حساب الشعوب.

 

وهذا هو “الشرق” الذي تتكرر الدعوات في لبنان للتوجه إليه. الشرق الذي يعني الصين وروسيا وإيران. الشرق الذي هو “محور” لا جغرافيا. فاليابان في أقصى الشرق هي “غرب”. كذلك أوروبا الشرقية. وفينزويلا في أميركا اللاتينية هي “شرق”. وإذا كانت إيران ذات الطموح الإمبريالي ترفع شعار “إخراج أميركا من غرب آسيا” وهي تبحث عن إتفاق معها، فإن لبنان الذي بدأ إستقلاله بشعار “لا شرقية ولا غربية” منفتح على الشرق والغرب وإن كانت علاقاته الثقافية والإقتصادية والأمنية مع الغرب. إيران المحتاجة الى روسيا والصين تسكت على تفاهم روسيا مع إسرائيل وسماحها لها بقصف القوات الإيرانية، وعن العلاقات التجارية والإقتصادية القوية بين الصين وإسرائيل. لكنها تتحدث عن إزالة “إسرائيل” وتحوّل لبنان جبهة أمامية ومنصة صواريخ.

 

لبنان أكثر من بلد له مصلحة في الوقوف ضد غزو جار قوي لجيرانه الضعفاء، لأنه عانى الكثير. وحرب أوكرانيا تراجيدياً أكبر من التي أشار إليها سكوت فيتزجرالد بالقول: “أعطوني بطلاً وسأكتب لكم تراجيديا”.