IMLebanon

بيان الخارجية فَاضَلَ بين الدعم والإبتسامات

  

 

في ستة ايام، بين 24 شباط و2 آذار، انتهت ازمة الموقف اللبناني من الحرب الروسية على اوكرانيا. في يومها الاخير استقرت على ما كانت قالت به في اليوم الاول، وهو بيان وزارة الخارجية ودعمه

 

في اجتماع 2 آذار في قصر بعبدا بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي والوزير عبدالله بوحبيب، اعيد التأكيد على كل ما دار في جلسة مجلس الوزراء في 24 شباط، باقرارها بيان وزارة الخارجية من الحرب الروسية على اوكرانيا. بلا تصويت، ولا اعتراض اساسي ما خلا العبارات القليلة التي ادلى بها وزير حزب الله مصطفى بيرم. ألحقها نائب الحزب ابراهيم الموسوي في الغداة بانتقاد البيان والوزير والعبارات الحادّة التي تضمنها. من ثم توقف السجال تدريجاً.

 

بتصويت لبنان الى جانب المجموعة الدولية في الجمعية العمومية للامم المتحدة في 3 آذار، المطابق لموقفه المنفرد بداية، المندّد بحرب روسيا على اوكرانيا، انتقلت الهموم اللبنانية الى شأن آخر.

ترتّب على بيان الخارجية اللبنانية، في مسوداته المتتالية التي أعدّ اولاها بوحبيب ثم صار الى تعديلها في السرايا، بضعة معطيات انتهت الى اعتقاد السلطات بأنها اجتازت ازمة اراد البعض تحميلها اكثر مما تحمل، والذهاب بها الى اسباب شتى لتبرير انقسامات وطنية اضافية:

1 – ظن البعض ان الموقف الاولي لحزب الله في مجلس الوزراء ثم خارجه من شأنه وضع الحكومة امام مفترق صعب، ربما اعاد في حد ادنى شل اجتماعاتها على نحو تجربة الاشهر الثلاثة الاولى في عمرها، او تعريضها للسقوط، وفي وسع الحزب وحلفائه الممسكين بالثلث+1 تكرار سابقة 2009 مع الرئيس سعد الحريري. لكن اتى الصمت التالي لحزب الله كي يدلّ على موقف اهم: بقاء حكومة ميقاتي في الوقت الحاضر افضل بكثير من اطاحتها، وهي على ابواب استحقاقات مهمة للغاية، ابرزها القريب وليس اهمها الانتخابات النيابية العامة. موافقة رئيس الحكومة المسبقة وموافقة رئيس الجمهورية اللاحقة جزما بما هو ابعد من البيان المدلى به، الى الاصرار على حماية خيارات السلطة الاجرائية.

لم تساور وزير الخارجية ادنى شكوك في الوصول الى ازمة كهذه، ولا بدت التوقعات التي رافقت وضع البيان قبل عرضه على مجلس الوزراء، ان السقف الشيعي سيكون اعلى من المحسوب. بعد الموقفين المقتضبين، وصمت الرئيس نبيه برّي، تأكد للوزير ان البيان صائب.

بعض المعلومات الاولية التي وصلت اليه – ومنها اتصالات ليست بعيدة من الفريق المعترض – قبل انعقاد مجلس الوزراء في 24 شباط، ان عليه ان يتحوّط من رد فعل سلبي. في نهاية المطاف، لم يكن ثمة تفكير لدى اي فريق في البحث عن كبش محرقة على جاري العادة، إما للتنصل منه او لتحميله الوزر، بل تجاوز ما حدث بالتسليم بدعم رئيسي الجمهورية والحكومة موقف الوزير، واعتبار البيان يمثل الدولة اللبنانية برمّتها، ولا ينبثق من موقف شخصي. في اقصى ما عناه وزير الحزب في مجلس الوزراء ان البيان لا يمثله، ليس الا.

2 – ليس مدار جدل طويل الوصول الى خلاصة، تقضي بالانحياز الى موقف واشنطن والغرب في الحرب الروسية على اوكرانيا، لا الى موقف موسكو. وفرة الحجج كفيلة بانحياز كهذا، مبني على قاعدتين وجدهما بوحبيب حتميتين: اولاهما الاخذ بميثاق الامم المتحدة والمبادىء الاخلاقية التي تحظر اعتداء دولة على اخرى او تفرض عليها ارادتها بالقوة، آخذاً بما خبره لبنان من سلسلة طويلة من الاحتلالات المتعاقبة منذ النصف الثاني من الستينات. وثانيتهما المصلحة اللبنانية الملزمة لأي موقف لبناني رسمي.

 

بوحبيب: بينما يسلح الاميركيون الجيش ويطعمونه ويساعدونه، يكتفي الروس بالابتسامات

 

 

ليس خافياً ان الروس والاميركيين على حدود لبنان. الاولون في سوريا، والاخيرون في الداخل اللبناني من خلال الدور الذي يضطلعون به سواء حيال الجيش او المؤسسات التي يدعمونها، رسمية وغير رسمية. بحسب بوحبيب، يسلّح الاميركيون الجيش اللبناني ويطعمونه ويمدّونه بمساعدات واموال لضمان صموده في الازمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، ناهيك بالدور المعوَّل عليهم في المفاوضات الدائرة مع صندوق النقد الدولي والمساعدات المترتبة عليها، فيما يكتفي الروس بتوزيع الابتسامات. عندما كان في واشنطن، ابان عطلة رأس السنة، فاتحه الاميركيون في فكرة انشاء صندوق دولي ترعاه الامم المتحدة لمساعدة الجيش اللبناني ودعمه في ضائقته، تتوزع تمويله دول عدة ولا يقتصر على الاميركيين. لا يزال الاقتراح يدور في اروقة المنظمة الدولية، من دون ان يلقى بعد تأييداً روسياً.

الى هذا المأخذ، آخر ليس اقل اهمية، هو اقتراح الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش بتولي قوة اليونفيل في جنوب لبنان، العاملة في نطاق القرار 1701، مساعدة قوة الجيش اللبناني هناك المقدرة بخمسة آلاف عسكري لمواجهة صعابه، تحفظت عنه روسيا والصين. بينما كظمت موسكو دوافع تحفظها، كَمَنَ الاعتراض الصيني في رفض الاميركيين الموافقة على ضم احدى السفن الصينية الى قوة اليونفيل في الناقورة لمراقبة الشاطىء اللبناني.

3 – من الدوافع المبررة لتيقن وزير الخارجية من ان تحفظ حزب الله لا يعدو كونه عتباً ليس الا، وهو كان يفضّل اصدار البيان بعد مناقشته في مجلس الوزراء وليس إعلامه به، ولم يكن الحزب في الاصل خافياً عن المنحى الذي يتضمنه، ان علاقة الحزب بروسيا ليس بالحرارة المتوقعة. كلاهما على ارض سوريا وفي خضمّ حربها. بيد ان ذلك لا يحجب الحاح موسكو على الرئيس السوري بشار الاسد اخراج ايران ومقاتلي حزب الله من معادلة الحرب في بلاده.

ما خلا الزيارة الوحيدة للحزب لموسكو في مثل هذه الايام من السنة المنصرمة، آذار 2021، قام بها رئيس كتلة نوابه محمد رعد على رأس وفد الى هناك، قلما بَانت علاقة صداقة بين الطرفين. ثمة حجة اضافية عُزي اليها عتب الحزب، يتمثل في اقتدائه بموقف ايران من الحرب الروسية على اوكرانيا. في التصويت الاخير في الامم المتحدة، وقفت ايران في صفوف الممتنعين. قبل ذلك، على اثر اندلاع الحرب تلك قبل اكثر من اسبوع، لم تتخذ – وهي تتعايش مع الروس في سوريا – موقفاً داعماً لموسكو التي صوتت قبل ايام قليلة لفرض عقوبات على الحوثيين حلفاء ايران وحزب الله.

وازَنَ موقف الجمهورية الاسلامية من حرب اوكرانيا بين الدولتين، المعتدية والمعتدى عليها. قالت إن اوكرانيا سمحت للغرب بالتلاعب بها لمحاصرة موسكو والتحاقها به، وهي تصوّب في الاصل على الاميركيين بالذات، من غير ان تجد في رد الفعل الروسي ما يبرره او تقف الى جانبه وتدعمه. على نحو مماثل تأنّى حزب الله في اتخاذ موقفه، وفضّل، على غرار الخيار الايراني، التراجع خطوة الى الوراء مما ذهب اليه بيان الخارجية اللبنانية بالتقدم بخطوة الى الامام