تقترب الحرب السورية عبر الجهود الديبلوماسية الروسية والاميركية الجارية راهنا من اجل الدفع قدما بالحل الانتقالي من معالم الحقبة التي سبقت وضع اتفاق الطائف في خريف ١٩٨٩ أقله لجهة بلورة خريطة الطريق المبدئية التي ادت الى ولادة الحل. ليس حتميا توقع النتائج نفسها بالسرعة التي يتوخاها عرابا الحل الانتقالي مع التغييرات الهائلة في الظروف الدولية والاقليمية والاختلاف الكبير بين التجربتين. فلبنان سحق بحروبه وبحروب الآخرين تحت وطأة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة قبل انهيار جدار برلين. اما سوريا فدمرت في حرب طاحنة تحت وطأة براكين اشتعلت بثورات على أنظمة الطغاة وتداخلت فيها حروب ومجازر دينية ومذهبية قلما شهد التاريخ مثيلا لها. ولكن المرحلة الطالعة منذ اعلان وقف النار في سوريا بدأت تستحضر الكثير مما يعني لبنان في التهيؤ للتداعيات التي يتوقع ان يتلقاها في الآتي من الأشهر.
يقودنا ذلك الى واقع داخلي مفجع تماما ومثير لشتى انواع الأخطار الإضافية التي تحدق بلبنان لدى معاينة السلوكيات السياسية والرسمية والحكومية والنيابية قاطبة امام لحظة كهذه. فالبلد يشهد منذ فترة قصيرة تدفقا غير اعتيادي لموفدين دوليين وغربيين لا يقابل بالاهتمام السياسي الموازي لمعارك الداخل التافهة والسخيفة والهابطة والتي بدأت تهمش حتى أزمة الفراغ الرئاسي نفسها على أيدي ابطال السجالات الرتيبة الفارغة من كل مضمون جدي. وأغرب الغرائب ان هذه الحركة الديبلوماسية الخارجية تجاه لبنان راحت تثير عوامل جديدة من عوامل التوظيف السياسي للنفخ في معزوفات تذكّر بخطاب متهالك موروث من أيام الوصاية السورية حين كانت دمشق الحاكمة والوصية تُمارس خبرتها الحديدية في “تهشيل” كل شريك مضارب على وصايتها وضرب كل خارج لا يسلّم لها بأحادية الوصاية على لبنان. شيء كثير من هذا يعود الى الاذهان اليوم حين ترى يقظة خطاب متهالك حول التوطين وترسيم الحدود والتخويف من الخرائط الجديدة في المنطقة على ألسنة من يعطلون الانتخابات الرئاسية منذ اكثر من سنتين تحديدا. والأنكى ان يجري تصوير اليقظة الدولية تجاه لبنان بأنها من علامات بيعه في صفقات المنطقة ورمي السيناريوات المستهلكة المتقادمة في سوق المزايدات إحياء لنبرة العداء للمجتمع الدولي مجانا وبلا اي تبصر. وحسنا فعل الرئيس تمام سلام في تصديه لهذه الناحية حصرا من خطاب رسمي ووزاري يخترق حكومته ويهزها ويمعن في إضعافها امام المجتمع الدولي بعد تسببها للبنان بأخطر أزمة له مع الدول الخليجية. ومع ذلك لا ترانا متفائلين بقدرة رئيس الحكومة على لجم هذه المواويل المتمادية في أذاها ما دامت عدوى المزايدات لا تقف عند فريق بعينه بل تتسع الى قوى منافسة على الضفاف الاخرى بدأت هي الاخرى تلتحق بركب معاداة “الأجانب”.