«تخضع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة بالتوازي للتدقيق الجنائي دون أي عائق او تذرع بسرية مصرفية أو خلافه».
هذا هو القرار الذي أصدره تسعون نائباً في رد المجلس النيابي على رسالة الرئيس عون في مسألة التدقيق الجنائي، وصوت عليه تسعون نائباً ولم يعط صفة القانون لأن التشريع القانوني بدأ بعد اقراره بقانون ضحايا انفجار المرفأ، وهو قرار لا ينشر في الجريدة ولا يقترن بتوقيعي رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وبالتالي فهو توصية صادرة عن تسعين نائبا أو بالأدق بيان… كما تصدر الجمعيات والأحزاب بيانات تعبر فيها عن رأيها ولا يملك صيغة الإلزام بالمعنى القانوني. وهذا البيان لا أثر له على قانون السرية المصرفية لأن الغاء أو تعديل القانون يتم بقانون، وليس ببيان! هو بيان فاقد لكل قوة معنوية. ولأنه لا يملك أي قوة معنوية فهو لا يفرض نفسه على المؤسسات التي يشير إليها، فالقوة المعنوية تأتي من نزاهة ورصيد أخلاقي للذين أصدروها… والذين اصدروها جواباً على الذي يسألها هم الطبقة الحاكمة التي صار متفقاً على أنها طبقة فاسدة.
يمكن استثناء بعض النواب من التسعين واضافة وزراء سابقين ومدراء عامين اليهم!
وقد وصف نائب زحلة ميشال ضاهر جلسة «بيان التوصية» بأنها «إعلان الإفلاس والعجز عن المحاسبة» وهذا أحسن وصف يعطى لانعدام القوة «المعنوية» للبيان!
وهذا وصف صادق، لأن الطبقة الحاكمة، في البيان الذي أصدرته، ليست غبية! بل تحاول استغباء الناس… فالطبقة الحاكمة هي التي نهبت مئة مليار دولار من خزينة الدولة والمصرف المركزي والهيئات والمجالس الخ… وليست على استعداد لفتح باب التدقيق الجنائي الذي سيبين بوضوح كيف ومن سرق أموال الدولة والطريقة التي تم بها النهب.
فهذا البيان هو اعلان افلاس وعجز عن المحاسبة وليس للإفلاس ولا للعجز عن المحاسبة أي قوة قانونية أو معنوية وليس بيان الإفلاس والعجز ملزماً.
لماذا؟
لأنّه لم يرد النصّ على القرارات والتوصيات سوى في المادة 87 من النظام الداخلي لمجلس النواب: «يجري التصويت على التوصيات والقرارات وسائر المواضيع غير الواردة في المواد السابقة بطريقة رفع الأيدي».
لم يرد أيّ نص حول القوّة الإلزامية لهذه القرارات والتوصيات.
ولا بدّ من التذكير أن هناك قوانين سارية المفعول تسمو على القرار الصادر عن مجلس النواب وتتعارض معه، لا سيّما قانون السريّة المصرفية وقانون النقد والتسليف في المادة 151 منه.
فالتوصيّة التي صدرت عن مجلس النواب لا مفاعيل تنفيذية لها، إذ يجب ان يُقدّم اقتراح بمضمون التوصية ليتم إقراره ويصبح قانوناً واجب النفاذ. عندها يمكن القول أنّ التدقيق الجنائي بات تدقيقاً إلزامياً.
المسؤول عن المصرف المركزي يجب أن يصدر تصريحاً يقول فيه: بالنظر لبيان «العجز والافلاس» الصادر عن تسعين نائباً من الطبقة الحاكمة، نعلن بأن السرية المصرفية نحن الملزمين بها قانونياً هي عائق في وجه أي تحقيق جنائي تطلبونه!
في ساعات الحزن ولبنان، يلفظ أنفاسه الأخيرة، كان يجب أن يقف النواب التسعون دقائق صمت حداداً… لا أن يقوموا بهذه المسرحية الهزلية…
فالزمن ليس زمن مسرحيات هزلية!