IMLebanon

العهد استغل التدقيق لمصلحة تصفية الحسابات وليس لإجراء الإصلاحات الحقيقية

 

لماذ تراجع الإهتمام بالتدقيق الجنائي بعد قرار مجلس النواب بتعميم مفاعيله على كل الإدارات الرسمية؟

 

 

لماذا تراجع الاهتمام بموضوع التدقيق الجنائي المالي بعد أيام معدودة من قرار مجلس النواب الأخير بتعميم مفاعيله على جميع مؤسسات وادارات الدولة من دون استثناء أو تمييز، ولم يعد الحديث عنه وكأنه الأهم على بساط البحث والمناقشة ويتقدم على سائر المشاكل والهموم التي يُعاني منها اللبنانيون هذه الأيام وتنغص حياتهم، كالازمة المالية وضغوطات الحياة اليومية؟

 

لأنه ببساطة، منذ البداية، أُقرّ موضوع التدقيق الجنائي المالي في حكومة حسان دياب تحت شعار تنفيذ وعود رئيس الجمهورية بمكافحة الفساد وتعميم الإصلاح في إدارات الدولة، ولكن حصر مفاعيل هذا القرار على المصرف المركزي، كشف بوضوح نوايا الفريق الرئاسي استغلاله لتحقيق أكثر من هدف في وقت واحد، أوّلها، تصفية الحسابات السياسية مع حاكم المصرف المركزي وبعض الأطراف السياسيين الداعمين له، انطلاقاً من محاولات تحميله مسؤولية الأزمة المالية التي يمرُّ بها لبنان وعدم تجاوبه مع العديد من الطروحات والتوجهات المخالفة للواقع المالي للدولة، وذلك بعد ان فشلت في كل محاولات النيل منه أو حمله على الاستقالة تحت الضغوط السياسية التي مورست ضده، منذ بداية الأزمة.

 

قرار مجلس النواب ضم مختلف الإدارات الرسمية للتحقيق الجنائي شكل انتكاسة للفريق الرئاسي

 

اما الهدف الثاني، فهو إظهار الدولة وكأنها باشرت الإصلاحات الحقيقية على أرض الواقع بالفعل وليس بالقول وذلك للتهرب من القيام بالاصلاحات المطالبة بها فعليا في الوزارات والمؤسسات العامة، كوزارة الطاقة، والمرافئ والمعابر وغيرها وذلك بهدف فك الحصار العربي والدولي المفروض على الحكومة منذ تأليفها، ولتسهيل الحصول على المساعدات المالية والقروض الميسرة من الدول الصديقة والمؤسسات المالية الدولية التي تربط موافقتها بضرورة اجراء الإصلاحات الضرورية والاساسية في مختلف مؤسسات وادارات الدولة التي تستنزف خزينة الدولة من دون طائل.

 

ولكن عندما وقع انفجار مرفأ بيروت المشؤوم وما نتج عنه من دمار هائل ونقمة شعبية عارمة على السلطة القائمة واستقالة الحكومة فيما بعد، وانطلاق المبادرة الفرنسية لحل الأزمة القائمة، ومع تعثر تنفيذ قرار التدقيق المالي الجنائي بسبب عدم تعديل بعض القوانين التي تتعارض معه وانسحاب الشركة المولجة بتنفيذه واقدام رئيس الجمهورية على توجيه رسالة للمجلس النيابي بهدف رمي كرة التعطيل بملعبه، ثم إصدار قرار مجلس النواب بتعميم مفاعيل هذا القرار على سائر إدارات ومؤسسات الدولة من دون استثناء بعد ان كانت مفاعيله محصورة بالمصرف المركزي دون غيره من المؤسسات.

 

وبالرغم من محاولة الفريق الرئاسي تصوير قرار مجلس النواب بأنه الإنجاز المهم للعهد في مجال مكافحة الفساد في محاولة مكشوفة لتلميع صورة الرئاسة الأولى التي تآكلت جرّاء الأداء الفاشل في إدارة الدولة ومعالجة مختلف الملفات السياسية والمالية والمعيشية طوال السنوات الأربع الماضية، الا ان قرار مجلس النواب الذي ضم مختلف المؤسسات والإدارات الرسمية إلى مفاعيله، شكل انتكاسة للفريق الرئاسي الذي كان يرمي بثقله لمنع تعميم هذا القرار على مؤسسات وادارات يهيمن عليها التيار العوني، كوزارة الطاقة ومؤسسة الكهرباء التي تشكّل العامود الفقري في سرقة وهدر المال العام منذ تولي التيار مسؤولياتها قبل اكثر من عشر سنوات ويرفض التنازل عنها بالرغم من فشله الذريع بادارتها حتى اليوم وما ترتبه من خسائر مالية واقتصادية على اللبنانيين في مختلف حقول الحياة العامة، في حين ان إمكانيات المباشرة بتنفيذ مفاعيل قرار مجلس النواب على سائر الإدارات والمؤسسات العامة، ليست متوافرة حالياً، إن كانت مادية أو بشرية، وهذا قد يتطلب وقتاً أكثر مما تمّ الترويج له، وقد يستحيل التنفيذ في ظل واقع الانقسامات السياسية القائمة، وعدم وجود توافق مسبق عليه، ولانه قرار غير ملزم، بل يتطلب تنفيذه تفاهم بين مختلف هذه القوى.

 

ويبقى الأهم هو ان محاولة تقديم موضوع التدقيق الجنائي المالي على محاولات التملص من تشكيل الحكومة الجديدة تحت شعارات وعناوين وهمية، لم يكن في محله، في حين ان تصوير هذا القرار وكأنه البديل عن الإصلاحات الهيكلية في الإدارات والمؤسسات الرسمية المنصوص عنها بالمبادرة الفرنسية التي يرتكز عليها تشكيل الحكومة الجديدة، لا ينطلي على أحد ولن تحقق أي إنجاز يذكر.

 

ولذلك، تراجع الاهتمام بسرعة بموضوع التدقيق الجنائي، لأنه استعمل منذ البداية في إطار الكيدية السياسية وتصفية الحسابات الشخصية، ولم يوظف في الغاية الأساسية والصحيحة لاجراء الإصلاحات الحقيقية والموضوعية وكشف كل الحقائق لمصلحة الشعب ونهوض مؤسسات الدولة من كبوتها.