Site icon IMLebanon

“مَن طعن بالتدقيق الجنائي؟”

 

كنا ننتظر أن تبدأ شركة التدقيق المالي الجنائي «الفاريز ومارسال» (Marsal & Alvarez)، بالتدقيق المالي من المصرف المركزي، ومن ثم تنتقل إلى الإدارات الحكومية والوزارات والصناديق الوهمية والغامضة. ليس فقط لأنّ هذا التدقيق سيكشف الفاسدين، أو الذين أهدروا أموال الدولة وخصوصاً المودعين.

يشكّل التدقيق الجنائي الخطوة الأولى الضرورية والحجر الأساس، كي نبدأ مشروع الإصلاحات الطويل والمعقّد. هذه الإصلاحات نفسها التي كانت من المطالب الأولى والأولوية من قبل البلدان المانحة، في مؤتمر «سيدر»، ومن صندوق النقد الدولي وغيرها.

 

لكن يا للأسف، هذه المبادرة الإنقاذية والحاسمة أُعدمت وطُعنت من قِبل السياسيين والإداريين الذين هرّبوا فريق عمل الشركة الدولية. لأنّ أهداف الفريقين متناقضة تماماً. إنّ شركة التدقيق تريد مباشرة العمل في أسرع وقت ممكن، وإختزال الزمن. في المقابل، يريد المسؤولون اللبنانيون كسب الوقت وإهداره، من أجل عدم الوصول إلى أي نتيجة واقعية قد تُهدّد مواقعهم.

 

من الواضح أنّ المسؤولين جميعاً كانوا يطمحون ويطمعون بأن يستحصلوا على «شيك على بياض» من قِبل البلدان المانحة كما جرت العادة في السابق، كي يتصرفوا بها على عادتهم، كما يحلو لهم من دون رقيب أو حسيب، في غياب أي ملاحقة أو محاسبة، فيُهدرون الأموال والإستثمارات الجديدة وفق أهوائهم ومصالحهم.

 

انّ إنسحاب شركة التدقيق الجنائي من لبنان، قرار إتفقت عليه كل الطبقة السياسية الحاكمة، بغية تهريب الشركة. إذ لا يُمكن لأي شخص أو أي مدير أو أي وزير أو أي مجموعة أو أي حزب، أن يتحمّل هكذا مسؤولية بمفرده، في ظلّ التشنجات الراهنة، اذ ينتظر كل فريق الآخر ليرمي المسؤولية عليه. لذا، إتفق الجميع بأن تكون المسؤولية شبحاً، فيما الإستفادة جماعية. في الوقت عينه يتظاهر الجميع بالحرص على الشفافية والتحقيق، مطالبين بإسترجاع الشركة، ومطلقين شعارات وهمية باتت معروفة.

 

يجب أن يعلم الجميع، أنّه من دون التدقيق المالي لن يدخل سنت واحد إلى لبنان، لا من الدول المانحة، ولا من صندوق النقد الدولي، ولا من أموال مؤتمر «سيدر»، ولا حتى من المستثمرين المقيمين أو المغتربين في الخارج. فمن دون شفافية وحوكمة ومحاسبة، من المستحيل إعادة بناء الثقة والإقتصاد.

 

إنّ هذه الإصلاحات يُطالب بها الجميع إعلامياً وشكلياً، وفي الوقت ذاته يطعنون بها في الظهر، ليل نهار بالخفاء. إننا نتحدث عن الإصلاحات نفسها التي وعد لبنان بتنفيذها في كل مؤتمرات باريس «1 و2 و3»، وإستوكهولم، وبروكسل، وروما، ولندن، ولا تزال وعوداً وهمية وحبراً على ورق. وقد أُهدرت وصُرفت وأُفسدت وتحاصصت كل هذه المساعدات، وحتى الساعة لم يُنفذ إصلاح واحد ولا بنى تحتية. وبعدما تبخّرت كل هذه الأموال، قضوا على مدّخرات الشعب. وها نحن جميعاً نتسوّل للعيش.

 

من جهة أخرى، كان اللبنانيون وحتى السياسيون يُطالبون بخطة إقتصادية، إجتماعية، إنقاذية للبنان، لأنّ البلد يعيش فترة من أصعب وأوجع الفترات في تاريخه، وها نحن بضربة من العصا السحرية، نسينا الخطة والأزمة الإقتصادية والإجتماعية، وها نحن نتحدث عن قانون الإنتخابات الجديد، هدفه الوحيد إسترجاع الطبقة الحاكمة نفسها أو تبديل بعض المقاعد أو المكاسب.

 

لكن أليس من الأولوية، مساعدة الشعب اللبناني الذي يتضوّر جوعاً، ويفتقد الدواء والإستشفاء، ويستجدي العلم؟

لسوء الحظ، ما نراه اليوم هو «هروب إلى الأمام»، وضياع الوقت، في ظلّ الحرب الإقتصادية والإجتماعية والوجدانية التي يخوضها اللبنانيون الشرفاء، حيث يُجاهدون للإستحصال على بعض حقوقهم البديهية والإنسانية.

 

إننا نعيش اليوم حرباً أو جريمة إستنزاف للبنان وشعبه وإقتصاده. إننا جميعاً نتعذّب ونلين، لكن لم ولن ننكسر، ولن نستسلم أبداً. يُمكن أن نخسر بعض المعارك، لكن الإقتصاد الحر ولبنان المزدهر سيربح الحرب، وسيظل المنصّة وصِلة الوصل بين الشرق والغرب، وسيعود لؤلؤة الشرق الاوسط، وعروس البحر المتوسط.