نسبة للوقائع والملفات المثارة فإن حاكم مصرف لبنان يعيش أسوأ ظروفه بعدما أصبح حاكماً محاصراً بملفات تستدعي المحاسبة محلياً ودولياً، ولم يعد ممكناً الدفاع عنه نتيجة وجود علامات استفهام حول أدائه ودوره في الازمة المالية الواقعة. ولكن وفق عارفيه فان الرجل يبدو مطمئناً ويتعاطى مع الاتهامات بحقه ببرودة اعصاب.
الحاكم الأكثر تربعاً على عرش هذا المركز بين أقرانه في دول العالم يغيب وتكثر الاحاديث حوله ليطل في حديث مقتضب يزيد الغموض غموضاً، حتى صارت مواقفه كما شخصيته مثيرة للجدل وهو المحمي بقوة مجموعة سياسيين تمنع المس به لاعتبارات يعلمها. الغريب أن الحاكم يظهر كأنه يعيش في عالم آخر خصوصاً وهو المصر على الاستمرار في مهامه، علماً ان هناك من بين الحلقة الاقرب اليه من يلومه على صمته وعلى استمراره في مهامه.
بالامس شارك كثيرون من سياسيين واعلاميين في هاشتاغ تقدم قوائم الترند يطالب بـ”التدقيق الجنائي الآن”، ما يشير الى وجود اصرار لدى العهد ورئيسه الجنرال ميشال عون ولدى “التيار الوطني الحر” على المضي قدماً بغية الوصول الى النتائج المرجوة.
وفي وقت لم تتقدم اي شركة جديدة للقيام بهذه المهمة، رجحت مصادر مطلعة العودة الى الاتفاق مع شركة “كروول” مجدداً، بينما تفصح مصادر اخرى عن نية شركة “ألفاريز” للعودة الى استئناف عملها في ملف التدقيق الجنائي، ولكنها تشترط لهذه العودة ان يجيب الحاكم المركزي على 133 سؤالاً حول مبالغ دفعت على سبيل قروض، والتحويلات والحسابات. وتفيد معلومات أن الشركة ارسلت بالفعل كتباً عدة الى وزارة المالية تطالب بضمانات لتعاون الحاكم معها ورفع قيمة تكاليف مهمتها عما كانت عليه. لكن الخوف من ان يبرز مجدداً الخلاف حول تفسير قانون رفع السرية المصرفية الصادر عن مجلس النواب، وسط الانقسام داخل أعضاء هيئة التشريع والاستشارات، بين من يرى ان رفع السرية سيكون عن كل الحسابات وبين من يريد حصره بحسابات مصارف وحسابات اشخاص.
ولا تزال وزيرة العدل ماري كلود نجم على رأيها أن الخطأ الاول في بت موضوع رياض سلامة حصل يوم تم رفض إقالته، وحضر رئيس مجلس النواب نبيه بري على وجه السرعة الى بعبدا للحث على التراجع عن الخطوة، ثم تكرر الخطأ عند اقرار قانون رفع السرية المصرفية وحصر مدته بعام وقد تمضي كل تلك المدة من دون تحقيق المرتجى. ولكن منافذ الحل، وفق ما تنقل عنها مصادر مقربة، لم تقفل بعد وبرأيها أن بإمكان رئيس الجمهورية ميشال عون ان يوجه رسالة مشتركة مع رئيس الحكومة المكلف، تلزم الحاكم بتسليم ما يلزم من معلومات الى شركة التدقيق الجنائي بناء على العقد الموقع معها وبناء على قرار مجلس النواب تحت طائلة المحاسبة.
في هذا الوقت يتابع التحقيق في ملف تبيض الاموال وتحويلها، مساره في سويسرا. ويبدو ان هدوء بحيرات سويسرا لا يتأثر بالضجيج الحاصل في لبنان. حيث العمل يجري بعيداً من الاضواء وغير متأثر بالاجواء اللبنانية. ولغاية اليوم لم تستدع النيابة العامة السويسرية حاكم مصرف لبنان الذي كلف مكتب محاماة من قبله لمتابعة القضية في سويسرا وطلب نقل الملف من لبنان، ويفترض من النيابة العامة التمييزية في لبنان الاجابة على الاسئلة والاستفسارات التي طلبها المدعي العام المالي السويسري عما قريب.
بالموازاة إستمر البحث عن الجهة التي حركت ملف سلامة في سويسرا وسط ترجيحات أولية عن وجود اشخاص غير لبنانيين، سبق وان دخلوا في عمليات مع الحاكم المركزي تخلف عن الالتزام بها، فلجأوا الى القضاء وان الملف المثار خارج عن لبنان كدولة. واذا كانت الاتهامات صوبت باتجاه تنسيق مشترك بين وزيرة العدل والسفيرة السويسرية في لبنان مونيكا شموتز كيرغوتس، لاعداد هذا الملف من خلال القضاء في البلدين استغربت نجم ما تردد، نافية وجود علاقة صداقة تجمعها بسفيرة سويسرا في لبنان ولم يسبق ان التقتها الا مرتين سابقاً، كما أن لا علاقة لجهات تحاول الاستفادة من الوضع والايحاء بوقوفها خلف الموضوع بالملف.
يوماً بعد يوم يصبح ملف الحاكم المركزي أشد تعقيداً بما يوحي بوجود نية لحسم ملفه، غير ان مثل هذه الخطوة قد تضع ملف الحاكمية في المجهول في ظل عدم وجود حكومة، وما يمكن ان يثيره تسلم الحاكمية من النائب الاول للحاكم وهو من الطائفة الشيعية، غير ان مصادر معنية جزمت أن لا خوف من البديل وهناك مجموعة اسماء موثوقة جاهزة ويمكن لمجلس الوزراء ان ينعقد لتكليف بديل بالانابة. وتلفت الى وجود مجلس حاكمية يفترض ان يقوم بمسؤولياته عوضاً عن مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، حيث تكشف المعلومات عن ملف سبق وتقدمت به نجم من مجلس الوزراء اقرب الى مضبطة اتهام بحق سلامة. لتختم المصادر كلامها: “كان يفترض بسلامة ان يستقيل او يتنحى جانباً بانتظار استكمال التحقيق ولا ينتظر كي يتم البت بمصيره، كما يفترض بالرئيس المكلف الاسراع بتشكيل حكومته، اللهم الا اذا كان يتجنب ايضاً الاطاحة بسلامة الذي يؤمن له ولآخرين معه شبكة امانه المالية”.