تحوّل ملف التدقيق الجنائي الى قصة ابريق الزيت، وصارت هناك شكوك مشروعة في انه تحوّل الى مطية يستخدمها البعض غب الطلب، إمّا لممارسة الضغوط على الخصوم، وإما للتغطية والتعمية وحرف الانظار عن ملفات أخرى. فهل من بوادر لخروج الملف من عنق الزجاجة الى سكة الانجاز؟
عاد «هاشتاغ» المطالبة بالتدقيق_الجنائي_الآن الى الواجهة هذا الاسبوع مع العلم انه تصدّر سابقاً ومراراً «تراند» وسائل التواصل الاجتماعي مثل غيره من المطالب كالتحقيق بانفجار المرفأ و»كلّن يعني كلّن»، و»لبنان ينتفض» و»طرابلس_تنتفض» وغيرها من المطالب التي مرّت مرور الكرام وتم تجاهلها في غضون أيام من دون ان يعيرها المسؤولون أي اهتمام او يحرّك المعنيّون ساكناً تجاهها، في حين تأتي الاحداث والتطورات الجديدة لتحلّ مكانها وتتربّع على «تراند» الإعلام في وقت تؤدي العراقيل و»الحجج» المفبركة من قبل المسؤولين دور تحريف الانظار عن الملفات الساخنة والملحّة لتصبح طيّ النسيان مع مرور الوقت.
اليوم يعود ملف التدقيق الجنائي الى التداول من جديد، علماً انه لم يتم إحراز أي تطور رسمي في هذا الاطار منذ إقرار قانون رفع السرية المصرفية في كانون الاول 2020 بعد 5 أشهر من اقرار مجلس الوزراء التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي، ولم يُعرف بعد إذا كانت شركة «الفاريز ومارسال»، التي أنهت سابقاً الاتفاقية الموقّعة مع وزارة المال للتدقيق الجنائي، هي التي ستعود فعلاً لإتمام مهمّتها، ام انه ستتم الاستعانة بشركة تدقيق أخرى.
جاء الخرق الوحيد في اليومين الماضيين، من خلال كشف وزيرة المهجرين في حكومة تصريف الأعمال غادة شريم عن انّ شركة «الفاريز» تنتظر أجوبة خطية من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على 3 أسئلة طرحتها عليه عبر وزير المالية، هي:
– هل يسمح لها بالولوج الى برامج البنك المركزي المعلوماتية والـservers؟
– هل انّ مصرف لبنان مستعدّ للاجابة عن الاسئلة التي رفض الاجابة عنها سابقاً؟
– هل سيسمح للشركة بأن تزور مصرف لبنان؟
في موازاة ذلك، أفادت المعلومات ان وزير المالية غازي وزني أحال تلك الاسئلة الى سلامة وينتظر الاجوبة، كما أنه تحقق من أعضاء هيئة التشريع والاستشارات، عن تفسير قانون رفع السرية المصرفية الصادر عن مجلس النواب لفضّ الانقسام الحاصل حول بين مَن يرى انّ رفع السرية سيشمل كل حسابات المصارف التجارية، وبين من يريد حصره بحسابات مصرف لبنان. وتمّ التأكيد لوزني ان القانون يشمل رفع السرية المصرفية عن حسابات المصارف والاشخاص والادارات الرسمية في حال كان رفع السرية يخدم سير عمل التدقيق الجنائي.
في النتيجة، هذه التساؤلات الجديدة والقديمة التي أحاطت ولا تزال بملف التدقيق الجنائي، تعيق البدء بهذا التدقيق وتؤخّره، علماً انه كان يتوجّب على وزارة المالية، عندما استدعت «الفاريز» للعودة مجدداً، ان تملك الاجوبة عن تلك الاسئلة البديهية التي كانت السبب الرئيس لإقدام الشركة على فسخ العقد الموقّع بينها وبين وزارة المال. هذا الأمر يؤشّر مجدداً الى عدم جدّية الدولة في التعاطي مع ملف التدقيق الجنائي، بدليل المماطلة والتسويف المتعمَّدين الحاصلين واللذين يؤكّدان نظرية البعض انّ التدقيق لن يصل الى النتيجة المرجوّة، ولا جدوى من إتمامه بوجود السلطة الحاكمة التي لن تسمح بأن يحقّق التدقيق الجنائي في ممارستها ويشكف عن مخالفاتها طوال فترات توليها المناصب نفسها.
بالاضافة الى ذلك، فإنّ اي تقرير سيصدر عند الانتهاء من عملية التدقيق الجنائي لن يشكل على الإطلاق، حكماً وادّعاء على افراد او كيانات بل يتعيّن إحالته إلى القضاء لمحاسبة من تظهر حوله الشكوك او الادانة. وبالتالي، سيكون مصيره مماثلاً للسيناريو القائم حاليا بالنسبة للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت أو حتّى أسوأ من ذلك، كمصير ملف الفيول المغشوش، الاتصالات غير الشرعية، التوظيف غير الشرعي، الأدوية المزورة، التهريب وغيرها وغيرها من الملفات العالقة في أدراج القضاء.
في هذا الاطار، اوضح الخبير المالي مايك عازار ان وزارة المالية تسعى منذ فترة لإقناع «الفاريز ومارسال» بالعمل مجدداً لإتمام التدقيق الجنائي، وقد وافقت الشركة مبدئياً، إلا انها اشترطت ضمان حصولها على المعلومات التي تحتاجها من قبل البنك المركزي وامكانية تواجد موظفيها شخصياً في مصرف لبنان، وولوجهم الى برامج المعلوماتية IT وservers، وإتمام مقابلات مع العاملين في المصرف.
وأوضح لـ»الجمهورية» ان ما تطالب به الشركة بديهي ومعروف «ومن المستغرب عدم استدراك وزير المالية لتلك الشروط من قبل عندما تم اقرار قانون رفع السرية المصرفية، وعندما أعاد التفاوض مع الشركة حيث كان يجدر به توضيح تلك الامور، والتأكيد للشركة على امكانية استيفاء تلك الشروط البديهية والضرورية أساساً لإتمام عملية التدقيق».