ماذا بعد استئناف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان؟ صحيح انّ الخطوة مهمة جداً، الّا انّ الأهم أن يقابلها أيضاً البدء بتدقيق حسابات الدولة وحجم إنفاق مؤسساتها والعقود التشغيلية الموقعة بين وزاراتها والشركات الخاصة. عندها فقط يمكن الرهان على سقوط هيكل الفساد من جذوره، ومن دون هذه الخطوة لا يمكن الرهان على تغيير ما.
بعد البيانات والبيانات المضادة في الأسبوع الماضي، ها هو وزير المالية في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني يعلن عن تَسلّمه «وفقاً للأصول القانونية، الكتاب المُرسل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يؤكد فيه التزامه كامل أحكام القانون رقم 200 تاريخ 29/12/2020 وتعاونه مع شركة Alvarez & Marsal إيجاباً بالنسبة للأسئلة المطروحة من قبلها، على أن يقوم وزني بتحويل رد الحاكم إلى شركة Alvarez & Marsal. إستناداً الى هذه المعطيات المستجدة، هل يمكن القول انّ المَعوقات التي كانت تحول دون إعادة انطلاق التدقيق الجنائي انتهت، وانّ هذه الخطوة ستستأنف هذا الأسبوع؟
في السياق، يعود النائب ياسين جابر الى شرح تسلسل الأمور، ويذكّر بأنه عندما أقرّ مجلس النواب قانوناً ينصّ على تعليق العمل بالسرية المصرفية لمدة عام، عاوَدت الدولة التواصل مع شركة التدقيق «الفاريس اند مارسال» لتطلب منها ان تستأنف عملها، الّا انّ الشركة أصَرّت على ان تحصل على موافقة مسبقة من المصرف المركزي عن استعداده للإجابة عن 4 أسئلة محددة، 3 منها سبق للمركزي ان أجاب عنها، امّا السؤال الرابع فيتعلق بالحسابات في المصارف. وقد حُلّت هذه العقدة بعدما أصدرت هيئة التشريع والاستشارات تفسيرها لكلمة «التوازي»، التي تعني بالطريقة نفسها، والتي أثارت لغطاً بينها وبين كلمة «بالتزامن»، التي تعني في الوقت نفسه. وبالتالي، واستناداً الى هذا التفسير، جاء الكتاب الصادر عن المجلس المركزي مجتمعاً، وليس المركزي وحده، والذي يؤكد استعداده لالتزام القانون، على ان يبقى امام المالية اليوم ان تُرسل نسخة عن كتاب مصرف لبنان هذا الى شركة التدقيق لنرى ما الخطوة التالية التي ستقوم بها.
وأوضح جابر لـ»الجمهورية» انّ التدقيق في المصرف المركزي ضروري إنما غير كاف لأنه سيكتفي بإعطاء صورة عمّا حصل في القطاع المصرفي والعمليات التي حصلت داخل المصرف المركزي، ولكنه لن يكشف لنا ماذا جرى في قطاعات الكهرباء والاتصالات والاشغال، وهي الوزارات الاكثر إنفاقاً. ولفت الى انّ الكشف عن أي حساب مصرفي سيكشف فقط الاموال التي دخلت وخرجت منه، لكن لا يمكنه ان يكشف الاختلاس او الصفقات المشبوهة. وحده التدقيق في العقود الموقّعة سيكشف الخبايا، امّا التدقيق الجنائي في المصرف المركزي فمن شأنه ان يكشف علاقة مصرف لبنان مع المصارف، كيف تصرّف باليوروبوندز؟ كيف اشتراها؟ وكيف حصلت طريقة الدفع؟… أما البحث في حسابات الدولة، أي في صفقات الكهرباء والاشغال وغيرها، فيفترض التوجّه نحو ديوان المحاسبة والمؤسسات.
فضائح بالجملة
وكشف جابر انه خلال احدى جلسات المناقشة في المجلس النيابي جرى تسريب كتاب موقّع من قبل وزيرة الطاقة ندى البستاني موجّه الى البنك المركزي، يطلب عدم التدقيق في المستندات المرفقة إنما الاكتفاء بدفع المبلغ المطلوب. وأشارت البستاني الى انّ هذه الخطوة معتمدة من قبل كل الوزراء السابقين، فيما وصفها الوزير السابق سيزار ابي خليل بالخطوة الطبيعية.
أضاف: كذلك الامر بالنسبة الى التدقيق في عقود مجلس الانماء والاعمار، وفي صفقات الاتصالات، مُذكّراً انه سبق وقدّم إخباراً الى النيابة العامة المالية في حق عقد موقّع بين الوزير السابق جمال الجرّاح وشركة هواوي بقيمة 90 مليون دولار بهدف تقوية البَث، من دون المرور بأي لجنة واي تدقيق. وانطلاقاً من ذلك، طالبنا التدقيق بكل مؤسسات الدولة وليس فقط المصارف والبنك المركزي. وتساءل لماذا لا يسير التدقيق الجنائي في المركزي بموازاة التدقيق في مؤسسات الدولة والصفقات المشبوهة التي رافقتها؟
اضاف: عندما أقرّينا موازنة 2020 من دون قطع حساب، طَرحنا تدعيم ديوان المحاسبة كونه لا يملك القدرات الكافية للتدقيق في حسابات الدولة من العام 1997 حتى اليوم. وعلى رغم إمكاناته المحدودة أصدر الديوان مؤخراً تقريراً عن سَرقاتٍ بعشرات ملايين الدولارات حصلت في مشروع البارك ميتر، ونحن نعوّل على انكشاف الكثير من هذا النوع من الفضائح مع بدء التدقيق في حسابات الدولة ومؤسساتها.
وأوضح جابر أنّ المجموعات التي كانت تستفيد من الفساد في الوزارات والمجالس هي نفسها فلتت على الدعم لتستكمل سرقاتها، فالفساد الذي أحاط الدعم يوازي الفساد الذي تَحكّم بكل مشاريع ومؤسسات الدولة على مدى السنوات الماضية، فنحن نتحدث عن تجّار ومحسوبيات حققوا ثروات على حساب الدولة في أقل من عام.