IMLebanon

لا ينفع الترميم

 

لم تخطئ رشا الأمير. استخلصت بعبارة بسيطة عبرة من تجارب الشعب اللبناني. لا حاجة للتحقيق في اغتيال شقيقها لقمان سليم.

 

لا شيء أسوأ من خفوت الأمل بمستقبل آمن بعد حادث تراجيدي مثل الذي حلَّ بعائلة المغدور إلا انعدام الثقة بالحاضر وبتحقيق العدالة. وليست رشا في اعلانها الصريح ناطقةً باسم شخصها او عائلتها او معبرة عن موقف من حادثة أصابتها في الصميم، بل هي مُفصحة عن شعور لبناني عميم قطعَ الخيط الذي يربطه بالدولة وموجباتها وقلبَ صفحة الرهان على ما تبقى من مؤسساتها في كل ما يخصه وليس فقط في الشأن الأمني.

 

هو ليس يأساً، إنما وضوح كامل. الجريمة ستقيَّد ضد مجهول، لا تضيعوا وقتكم في تسلم الهاتف واستخراج العناوين. سُرَّاق “المصرف” والودائع معروفون وقادرون على التحايل وتجنيد أحزاب ورؤساء ونواب ووزراء وعلى شن حملات وشراء ضمائر، فلا توكلوا “ألفاريز” التحقيق ولا تتمسكوا بـ”التدقيق الجنائي” ولا تراهنوا على قضاء سويسري. الحاكم بأمره معروف ولا يأبه لتشوه سمعته، بإمكانه امساك المفاتيح وتحديد المعايير، فلا تصرفوا اهتمامكم على استرضائه ليخفف قبضته الحديد. ملفات الفساد مفضوحة وصفحاتها ملأى بالأسماء والتواريخ والوقائع والبراهين، فلا تنددوا بالقضاة ولا تتهموهم بالجبن او المراءاة، اتركوهم خانعين هانئين. الانتخابات مسبقة النتائج فلا تلتزموا بمواعيد او تنشدوا صحة تمثيل او تبذروا الأموال على أقلام اقتراع. وإن سُئلتم عن الكسارات والنفايات والسدود او صفقات البواخر وهدر الكهرباء، لا تساجِلوا، جرائم واضحة وأبطالها معروفون، لكنهم وقحون يجادلون ويتابعون سلوكهم المحمي من طبقة سياسية تعودت الاثراء غير المشروع والمحاصصة في المناصب والأرباح وتوزع النفوذ السياسي.

 

إختبر اللبنانيون حكم المنظومة على امتداد عقود. مرّوا بتجارب عسيرة كانت تضخُّ فيها بعضَ الأوكسجين محاولاتُ التشبُّه بدول أصلحَت أخطاء ونهضت من عثرات وأعادت إعمار ما تهدم ثم قامت متجددة من الركام. لكن يبدو ان المسرحية وصلت الى فصلها الأخير، ولم تعد تنفع الخاتمة المفتوحة على احتمالات المشاهدين وخيالاتهم.

 

يخرج الوضوح الكامل من صلب المأساة والمعاناة. هي المنظومة بأمها وأبيها لم تعد تصلح لأي عملية ترميم. وسيضيّع اللبنانيون الوقت والمال والجهد إن راهنوا مجدداً على الذين ولغوا في التدمير.

 

ثورة 17 تشرين لم تشتعل إلا لقناعة الناس بإفلاس أهل السلطة مجتمعين. وشعار “كلن يعني كلن” لم يكن دقيقاً لكنه تعبير رمزي وعاطفي عن غضب جماعي تجاه كلّ من شارك وأفسد وتسبب بالانهيار. انكفأت الثورة لكن أسباباً مستجدة تعطيها مشروعية حالية وبمفعولٍ رجعي. انفجار 4 آب وعودة الاغتيالات ومعاودة تشكيل حكومة بالأدوات نفسها وبالحجج والسجالات التي قرف منها المواطن العادي وكلّ من يتعاطى الشأن السياسي. “صلاحيات السُنة” و”كرامة الثنائي” و”حقوق المسيحيين” ورئيسٌ يخال نفسه يسوع المسيح، فيما اللاعب الأساسي يحرّك دمىً اعتقدت نفسها ذات اعتبار من الكبير الى الصغير.

 

انّه الخراب. ولسوء الطالع وقسوة الوقائع، سيبقون جالسين فوقه إن لم تُجبر المنظومة على الرحيل.