IMLebanon

“التدقيق الجنائي” في “عهد التعطيل”… على طريق “الكتاب البرتقالي” و”الإبراء المستحيل”!

 

تسمّر الشعب اللبناني أمس الأول أمام الشاشات منتظراً ما سيقوله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وما إذا كانت هناك صحوة ضمير تنهي التعطيل وتفتح مسار تأليف الحكومة.

 

لكن لم تكن “نطرة” الشعب عبثيّة، فقد سمعوا كلاماً جميلاً من الجنرال الذي أكّد أنه هو ميشال عون، وقد تمنّى كثر لو أن هذا الرجل الذي يخاطبهم من عليائه وهم تحت خط الفقر يُنتخب رئيساً للجمهورية ويملك كتلة نيابية تكون الأكبر في المجلس، ويحصد العدد الأكبر من الوزارات منذ 2008، وتُعهد لفريقه السياسي وزارة الطاقة التي كلّفت الخزينة في المرحلة الأخيرة أكثر من 49 مليار دولار، أي أكثر من نصف دين لبنان، كذلك تمنّى الشعب أن تذهب وزارة العدل إلى فريقه السياسي ليبدأ مشوار إصلاح القضاء ولا يُعرقل رئيس الجمهورية سير التعيينات القضائية.

 

لكن الشعب اللبناني إستفاق على حقيقة مُرّة جداً، وهي أن المسؤول الذي خاطبهم أمس الأول مطالباً بالتدقيق الجنائي هو نفسه رئيس الجمهورية الذي يقطن قي قصر بعبدا ولا يحرّك ساكناً ولا يبتدع الحلول، ويُعتبر الشريك الأكبر في السلطة منذ عام 2008، وليس رجل المعارضة الأول، أو أحد القادة المعارضين الذين يطرحون أنفسهم بديلاً لتولّي رئاسة الجمهورية.

 

ويُعتبر مطلب التدقيق الجنائي من أهم المطالب التي يطرحها الشارع والمعارضون، لكن الشعب الذي كان منتفضاً و”خفّت همته” أخيراً يريد تحقيقاً شاملاً في كل حسابات مصرف لبنان والوزارات المتعاقبة التي أوصلت البلاد نتيجة الهدر إلى الإفلاس، وليس تحقيقاً غبّ الطلب.

 

وتُذكّر مصادر معارضة بسلوك العماد عون، وتسأل عن الحسابات الفعلية لأرصدته وأرصدة عائلته خصوصاً عندما ترك لبنان عام 1991، وكيف تمّت الصفقة من أجل إعادتها، وإذا كان هذا الأمر مرّ عليه الزمن.

 

ويتمّ تفنيد خطابه وفق الآتي: في السياسة تسلّح عون بمطالبته بالتدقيق الجنائي بمقتضيات المبادرة الفرنسية وهذا الأمر صحيح، لكنّ رئيس الجمهورية غاب عن باله أن هذا المطلب هو بند واحد من عدد كبير من بنود المبادرة، إذ إنه نسي أن فريقه السياسي من يعطّل حكومة الإختصاصيين المستقلة نتيجة تمسّك صهره الوزير السابق جبران باسيل بالثلث المعطّل، مثلما عطّل حليفه “حزب الله” إندفاعة مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون بعد لقاء قصر الصنوبر بتمسّكه بحقيبة المال للشيعة.

 

ويُعرف عن عون وفريقه التقلبات الدائمة، فمن داعم للقرار 1559 والقول إنه أب هذا القرار، إلى الإنقلاب عليه ومواجهته ودفاعه عن سلاح “حزب الله”.

 

ومن جهة أخرى يرى المعارضون أن عون يعمل وفق أجنداته الخاصة، فعندما كان على أشدّ الخلاف مع تيار “المستقبل” أخرج كتاب “الإبراء المستحيل” الذي نقضه “التيار الأزرق”، وعندما اتفق معه تنكّر له مثلما تنكّر للكتاب البرتقالي بعد انتخابات 2005، وبعدما فرط عقد التسوية الرئاسية عاد ورفع كتاب “الإبراء المستحيل”.

 

لا يُنكر أحد أن عون و”جهابذة” فريقه كانوا من أشدّ المعارضين لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لكن عام 2017 وافقوا على التمديد له علماً أن الجنرال الرئيس هو من طرح هذا البند من خارج جدول الأعمال، ولو فعلاً كان عون ضدّ، لكان على الأقل تمنّع وزراء العهد و”التيار الوطني الحرّ” عن التصويت.

 

وفي السياق، يتذكّر الجميع أنه عندما عارض النائب جورج عدوان سياسة رياض سلامة في مجلس النواب، شنّ العونيون وقناة “أو تي في” التابعة لهم هجوماً شرساً على “القوات” معتبرين أنهم يشوّشون على الحاكم سلامة، وتقرير القناة لا يزال يُتداول على مواقع التواصل الإجتماعي.

 

وتؤكّد المصادر المعارضة أن جميع اللبنانيين مع التدقيق الجنائي من دون قيد أو شرط لكن من دون استهداف سياسي، ولو كانت الدعوة صادقة من بعبدا لكان الرئيس قد بادر إلى المطالبة بالتدقيق في المؤسسات التي تولاها فريقه السياسي وعلى رأسها وزارة الطاقة لكي يُثبت نظافة الكفّ.

 

وفي السياق، تُبدي المصادر دعمها لأي خطوة تدقيق سواء في المصرف المركزي أو غيره، لكن العبرة في التنفيذ الصحيح، وتتخوّف من أن يكون عون قد أطلق هذه الحملة من أجل الإلتفاف على العقوبات التي تتحدّث عنها الدولة الفرنسية والأوروبيون، والتي من المتوقّع أن تطال صهره جبران باسيل الذي بات يُصنّف المعرقل الأول، لذلك فإن المطالبة هي في اتجاه تحقيق شامل يشمل كل الجرائم المالية والهدر من دون استثناء، وعدم إدخال هذا الملف في البازار السياسي كي يصل إلى خواتيمه السعيدة، لأن ما فعله عون هو رسائل موجّهة إلى كل الأفرقاء سواء غربية أو عربية والتي تضع كرة التعطيل عنده.