IMLebanon

التدقيق الجنائي: مزيد من الوعود والمماطلة

 

رغم الحاجة الملحة الى التدقيق الجنائي بوصفه شرطاً من شروط الاصلاحات المطلوبة، الا ان نِسب تحقيق التدقيق تبدو معدومة بدليل السجال السياسي الذي يخفي كيدية سياسية ونية التسويف والمماطلة، تهرباً من تدقيق يفترض ان يكشف اين ذهبت اموال الدولة والمودعين. بالامس خرج وزير المالية غازي وزني ببشرى يزفها الى المودعين بوجود حتمية خسارة المودعين لأموالهم. تُسجل له مصداقيته ولكن هل يجب ان يمر هذا الامر مرور الكرام والتسليم بقضاء الله وقدره من دون محاسبة ومعرفة من خسّر الناس تعب العمر، وكيف لهذه الاموال ان تتبخر ويتجرأ وزير المال ان يعلنها فقرة مختصرة، في سياق مقابلة لم يلغ وقعها توضيح اعتاد اصداره بعد كل تصريح.

 

عندما كتب رئيس الجمهورية ميشال عون، عبر موقع “تويتر”، محذراً وزارة المالية والمصرف المركزي، من أي محاولة لتعطيل التدقيق الجنائي، مستبقاً اجتماعهما الاول مع شركة (ألفاريز ‏ومارسال)، غضب وزني وكان يعتزم الرد على كلام عون لو لم ينصحه رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدم الرد. أغضبه التحذير ولم تغضبه وعود حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ اكثر من عام وحتى آخر اجتماع بتعاون لم يحصل بعد مع شركة التدقيق الجنائي.

 

عقدت الجلسة الاولى ولم تخرج الا بمزيد من الوعود التي ابداها مصرف لبنان للتجاوب مع طلب الشركة التي لم تحسم قرارها بعد بالعودة من عدمها. في المرة الماضية اشترطت للعودة توافر الارقام اولاً، واليوم تعيد تكرار الشروط ذاتها مع اصرارها على مزيد من الأرقام، لكن المؤشرات للمعنيين لا تفي بالايجابية وبعزم سلامة على التجاوب مع الشركة، التي يفترض ان تستفيد من فترة رفع السرية المصرفية التي حددها مجلس النواب بسنة ليس اكثر. ودليل المعنيين على تقاعس المصرف المركزي تخلف سلامة عن الحضور وتمثيله من خلال رجا ابو عسلي، وهو وان وعد انه يعتزم تسليم ما يلزم من ملفات حتى آخر الشهر فثمة من يشكك بنوايا سلامة الذي يعتزم المماطلة وكذلك وزارة المال.

 

تريد الشركة ارقاماً لتبني عليها وتعتبر ان كل ما تسلمته لا يفي بالغرض ويشجعها على استئناف العمل مجدداً. غير ان اكثر من مؤشر يؤكد ان التدقيق الجنائي خرج من كونه عملية تدقيق مالي، بقدر ما صار خاضعاً لتصفية حسابات سياسية بين فريق متحمّس للسير بالمشروع حتى الرمق الاخير، وهو رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي، وفريق سياسي مقابل مضى على وجوده في السلطة سنوات طوال لا يرى في عملية التدقيق الا محاولة اقتصاص عون منها.

 

وقد تحول الموضوع الى مبارزة بالسياسة وتحدٍّ لعون: “أن تبدأ بوزراة الطاقة ان كنت تريد ان تصدق فعلاً”. ينقل احد الوزراء الذي التقى رئيس الجمهورية مؤخراً قوله له: “كيف لك ان تصرّ على تدقيق جنائي قد يطاول جماعتك”، فأجابه: “جماعتي بيقولوا ما عليهم شي واذا ثبت تورطهم فليحاسبوا كغيرهم”.

 

اذاً، دخل التدقيق الجنائي حيز الشروط المستحيلة التي قد تحول دون تشكيل الحكومة، ولنفرض ان أعجوبة حصلت وتم تشكيلها برئاسة الحريري فبند التدقيق هذا سيكون العائق الاول الذي يعرقل انطلاقتها. فالفريق العوني يتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بأنهما لا يريدان مع حلفائهما أن يسلك التدقيق الجنائي طريقه بنجاح، لاعتبارات عدة اهمها كي لا يمنح العهد اي خطوة تعوّمه وتثبت سلامة نيته بالمحاسبة والاصلاح. وحده رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط لم يمانع حين تمت مفاتحته بالامر في بعبدا بالتدقيق مبدياً الاستعداد لاخضاع كل من تثبت ادانته للمحاسبة. وبالفعل قد يفعلها جنبلاط متى شعر ان الامر لا مفر منه وقد سبق ان تحضر للخطوة منذ 17 تشرين العام الماضي.

 

كان واضحاً عون في كلمته امس الاول بتحميله “الطبقة السياسية” مسؤولية التقاعس متوعداً بأن الملف لن يقفل وهو بانتظار ما سيخرج عن اجتماع اليوم، مصراً على استكمال فعله بإجراءات تحول دون عرقلة عمل الشركة او دفعها باتجاه الاعتذار عن إكمال مهامها. يؤمن عون ان “المعركة لم تعد مرتبطة بالحكومة وانما بمستقبل لبنان، فإما ان نسير بالتدقيق حتى نهايته او لا تقدم سيحصل وسيكمل البلد نحو الانهيار وغياب المساءلة والمحاسبة، الذي ان تحقق ولو الجزء اليسير منه فسيكون خطوة تحتسب للعهد”. وهنا لب المشكل السياسي بحسب العونيين “بين فريق يريد اكمال الحصار على العهد وتغضبه التسوية معه، وفريق يرى في المحاسبة السياسية السبيل الوحيد لكشف الحقائق رافضاً تصفير الحساب والبدء من جديد”.