أين أصبح التدقيق الجنائي في مصرف لبنان؟ وماذا حلّ بالمفاوضات مع شركة “ألفاريز ومارسال”؟ هل سلّم مصرف لبنان، وزارة المال عبر مفوض الحكومة لدى المصرف المركزي، كامل المستندات التي كانت تطالب الشركة بالتدقيق فيها كشرط أساسي للعودة عن قرارها، والغوص من جديد في دهاليز حسابات المصرف المركزي؟ ولماذا تراجع الحديث والضغط في هذا الاتجاه؟
في الواقع، فإنّ الفريق العوني ورئاسة الجمهورية هما الطرفان الأكثر استخداماً لورقة التدقيق الجنائي، من خلال الضغط باتجاه عودة الشركة الأجنبية إلى البحث في خبايا وخفايا المصرف المركزي. ففي نهاية شهر نيسان الماضي، أعاد رئيس الجمهورية ميشال عون تذكير مصرف لبنان بأنّ “هناك استحقاقاً زمنيّاً لتسليم مستندات ووثائق “مصرف لبنان” لشركة التدقيق المالي الجنائي، ونحن والشعب اللبناني نرصد، والمسافة أيّام”.
عاد رئيس الجمهورية وأكد أمام الممثل الاعلى للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسية الامنية، نائب رئيس الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل أنّ “التدقيق المالي الجنائي هو الاساس في مكافحة الفساد الذي تقف وراءه منظومة تضم مسؤولين وسياسيين واقتصاديين ورجال مال وأعمال”.
في الوقائع، فإنّ العقد الموقع مع شركة التدقيق انتهى بعدما تمّ ابلاغها على نحو رسمي عدم القدرة على تأمين المستندات المطلوبة، لاستكمال ما بدأته في 9 أيلول 2020 حين قدّمت الشركة نحو 133 سؤالاً. لكن الإجابات التي حصلت عليها الشركة من مصرف لبنان بعد خمسة أسابيع، لم تصنّف بأنها كافية لإجراء عملية التدقيق. فمن أصل هذه الأسئلة الـ133، حصلت الشركة على 58 رفضاً بذريعة أن المعلومات المطلوبة محميّة بموجب قانون النقد والتسليف. كذلك هناك أكثر من 12 سؤالاً كانت الإجابة عليها بـ”غير متوافر”. لكن الأمر لا يتعلق فقط بنسبة الأسئلة المرفوضة، بل بنوعيتها ومضامينها أيضاً. فالمعلومات المطلوبة من الشركة تعدّ أساسية لأي عملية تدقيق، أي أنه لا يمكن المضي قدماً بالعملية المطلوبة من دونها. لذا، أعلنت شركة “ألفاريز ومارسال” التوقف عن التدقيق لأسباب قسرية نصّ عليها العقد معها.
وفي مراجعة لتلك الأسئلة التي وجهتها الشركة ولم تتلق أي إجابة عليها منه (43% من الأسئلة)، يتبيّن أنّها تمحورت حول الهندسات المالية، التزاماته المالية أو بأصوله والأكلاف التي تكبّدها في سياق حصول هذه الالتزامات أو الأصول، بالعمليات المالية التي نفذها مصرف لبنان خلال الفترة الممتدة بين 2015 و2020، عمليات المحاسبة المالية والدفع، عمليات النقد وإعادة الشراء، محافظ التوظيفات، شراء العقارات وبيعها وايراداتها، استثمارات مصرف لبنان في الشركات التابعة أو الشقيقة، ودائع المصارف لدى مصرف لبنان…
إلّا أنّ المصرف المركزي أعاد النظر بقراره السابق الرافض لتسليم هذه المستندات، وذلك بعد صدور القانون الرقم 200، والذي بموجبه تمّ تعليق العمل بأحكام قانون سرية المصارف الصادر بتاريخ 3/9/1956 لمدة سنة واحدة. وتطبيقاً له أكد “المصرف المركزي بقرارين منفصلين، صادرين عن المجلس المركزي بتاريخ 10/2/2021 و24/3/2021 استعداده الكامل للتعاون التام الإيجابي مع “ألفاريز ومارسال” لقيامها بالمهام التي ستوكل إليها”.
وبالفعل، يقول المعنيون إنّ وزارة المال تسلّمت عبر مفوض الحكومة كامل المستندات المطلوبة، وقد تمّ ابلاغ شركة التدقيق بذلك، وبناء عليه قررت العودة إلى لبنان ولكن بعد تعديل بنود العقد الموقع معها، لا سيما لجهة الكلفة المالية فرفعت قيمة العقد إلى أكثر من مليونين ونصف المليون دولار، بشرط حصولها مسبقاً على كامل قيمة العقد قبيل مباشرة مهمتها، كما طالبت بقيمة البند الجزائي البالغة 150 ألف دولار.
ولما كان تعديل العقد يحتاج إلى قرار في مجلس الوزراء، ولما كان رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب يرفض الدعوة إلى عقد جلسة، فقد طلب وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني استشارة قانونية من هيئة الاستشارات في وزارة العدل، تتيح له تعديل العقد عبر موافقة استثنائية يوقّع عليها كل من رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة ووزير المال.
في المعلومات يتردد أنّ هيئة الاستشارات سطّرت استشارتها لكن رئاسة الحكومة لم تتبلّغ بها بعد، وقد تبيّن أنّ الهيئة سجّلت سلسلة ملاحظات تقنية على التعديلات الموضوعة أمامها، وأهم تلك الملاحظات هو رفضها الدفع المسبق لكامل قيمة العقد كما تطالب “ألفاريز ومارسال”، كما طالبت بتوضيح تاريخ بدء العمل ذلك لأن التعديلات المقترحة تنصّ على أنّ مدة العقد 12 أسبوعاً ولكن من دون تحديد تاريخ البدء، فيما اعتبرت الهيئة أنّها غير مخولة بإعطاء رأيها في ما خصّ البند الجزائي نظراً لعدم قدرتها على تقييم طبيعة المستندات التي كانت تطالب بها الشركة، ورفض المصرف المركزي تسليمها قبل أن تعلن الشركة وقف العمل وتطالب بالبند الجزائي.